يتبين من مقابلة الأحجار المتساقطة من السماء بما عندنا من أحجار، ولم يكن الأثينيون يطيقون مثل هذا القول؛ لاعتقادهم أن كل ما هو سماوي فهو إلهي، فاضطر لمغادرة المدينة وعاد إلى آسيا الصغرى فنزل لمبساقوس ومات فيها.
ب – وهو يعتقد أن الأشياء متباينة في الحقيقة كما تبدو لنا، وأن قسمة الأجسام بالغة ما بلغت تنتهي دائمًا إلى أجزاء مجانسة للكل: تنتهي إلى لحم في اللحم، وإلى عظم في العظم فلا تلاشي أبدًا طبيعة الشيء المقسم، وعلى ذلك فلا ترد الأشياء إلى مادة واحدة أو بضعة مواد معينة ومن باب أولى إلى تنوع الكمية والحركة، على أن الذي حدا بالطبيعيين إلى مواقفهم هو المشاهد من تحول الأشياء بعضها إلى بعض وضرورة تفسير هذا التحول وأنكساغورس يعلم ذلك — يعلم مثلًا أن الخبز الذي نأكله والماء الذي نشربه ينميان جميع أجزاء البدن على السواء من دم ولحم وعظم وشعر وظفر إلخ — ولكنه يأبى أن يتابعهم ويقول: إذا كان الوجود لا يخرج من اللاوجود — باتفاقهم جميعًا — «فكيف يخرج الشعر من اللاشعر واللحم مما ليس لحمًا؟» أمامنا ثلاث قضايا كبرى: الأشياء متباينة بالذات، ولا يخرج الوجود من اللاوجود، والكل يتولد من الكل (أي شيء يتولد من أي شيء) فإذا أردنا الاستمساك بها جميعًا قلنا: إن الأشياء موجودة بعضها في بعض على ما هي، وإن الكل في الكل؛ أي إن الوجود مكون من مبادئ لا متناهية عددًا وصغرًا هي طبائع أو جواهر مكيفة في أنفسها تجتمع في كل جسم بمقادير متفاوتة، فيتحقق بهذا التفاوت الكون والفساد ويتعين لكل جسم نوعه بالطبيعة الغالبة فيه بحيث يكون كل جسم عالمًا لا متناهيًا يحوي الطبائع على اختلافها كلًّا منها بمقدار فتختلف الظواهر والأسماء، وإذن فالماء والخبز يحويان مبادئ لا متناهية في الصغر عظمية ولحمية ودموية، بل إن المبادئ جميعًا تلتقي في كل ذرة عظمية ولحمية ودموية وغيرها تقع تحت