الحس فلا يوجد جسم محسوس متجانس مهما دق بل المتجانس الطبائع الأولى؛ لذلك سميت بالمتجانسات («متشابهة الأجزاء» عند الشهرستاني) وهي أدق من أن ينالها الحس، ولا يوجد كل هو أبيض خالص أو أسود أو حلو أو لحم أو عظم ولكن ما يغلب في الشيء هو ما يلوح أنه طبيعته فيعرف به ويتميز عما عداه، فالكون والفساد استحالة شيء إلى شيء بأن يزيد بعض الطبائع فيظهر للحواس أو ينقص فيخفى عنها، وبعبارة أخرى «الكون ظهور عن كمون» (الشهرستاني) والفساد كمون بعد ظهور دون أي تغير في الكيفية.1
ج – والطبائع قديمة ولكنها ليست متحركة بذاتها، وليس لها ما يجعلها تنتظم من تلقاء نفسها، وقد كانت في الأصل مختلطة أشد اختلاط، وكان المزاج الأول متساويًا غاية التساوي لا يتميز فيه شيء من شيء على ما ارتأى أنكسيمندريس حين وضع اللامتناهي ثم حدثت بفعل فاعل الحركة التي ميزتها ونظمتها، وليس هذا الفاعل الاتفاق؛ فما الاتفاق سوى لفظ نستر به عجزنا عن اكتشاف العلة — وليس هذا الفاعل القدر؛ فما القدر سوى لفظ أجوف اخترعه الشعراء — إنما الفاعل العقل «ألطف الأشياء وأصفاها، بسيط مفارق للطبائع كلها؛ إذ لو كان ممتزجًا بشيء آخر أيًّا كان لشابه سائر الأشياء، ولما استطاع وهو ممتزج أن يفعل بنفس القدرة التي يفعل بها وهو خالص، عليم بكل شيء، قدير على كل شيء، متحرك بذاته» حرك المزاج الأول في إحدى نقطه فامتدت الحركة واتسعت في دوائر متتابعة حتى عمت الكل وانفصلت الأجرام السماوية عن المركز (الأرض) بالحركة الأولى، وترتبت الأشياء كل في مكانه، الخفيف إلى أعلى، والثقيل إلى أسفل، وستظل الأجرام السماوية مستقلة حتى تنفد القوة التي
- ↑ أرسطو: السماع الطبيعي م١ ف٤ كله، الكون والفساد م١ ف١ ص٣١٤ ع ا س١٩–٣٠، ما بعد الطبيعة م١ ف٣ ص٩٨٤ ع ا س١١–١٦.