صفحة:تاريخ الفلسفة اليونانية (1936) يوسف كرم.pdf/64

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
–٥٨–

سقراط وأفلاطون؛ لأن السوفسطائيين كانوا مجادلين مغالطين وكانوا متجرين بالعلم، أما الجدل فقد وقفوا عليه جهدهم كله، خرجوا من مختلف المدارس الفلسفية لا يرمون لغير تخريج تلاميذ يحذقونه، وكانوا يفاخرون بتأييد القول الواحد ونقيضه على السواء، وبإيراد الحجج الخلابة في مختلف المسائل والمواقف، ومن كانت هذه غايته فهو لا يبحث عن الحقيقة، بل عن وسائل الإقناع والتأثير الخطابي، ولم يكن ليتم لهم غرضهم بغير النظر في الألفاظ ودلالاتها، والقضايا وأنواعها، والحجج وشروطها، والمغالطة وأساليبها، فخلفوا في هذه الناحية من الثقافة أثرًا حقيقًا بالذكر، أما سائر العلوم فكانوا يلمون بها إلمامًا يساعدهم على استنباط الحجج والمغالطات وعلى التظاهر بالعلم، فتناولوا بالجدل المذاهب الفلسفية المعروفة، وعارضوا بعضها ببعض، وتطرق عبثهم إلى المبادئ الخلقية والاجتماعية، فجادلوا في أن هناك حقًّا وباطلًا وخيرًا وشرًّا وعدلًا وظلمًا بالذات، وأذاعوا التشكك في الدين، فسخروا من شعائره واختلقوا على آلهته الأقاويل، ومجدوا القوة والغلبة، وكان الأمر إلى الديموقراطية تتعدد فيها القوانين وتتناسخ فيدخل على النفوس أن القانون والحق ما يريده القوي.

ج – وأما اتجارهم بالعلم فقد كان شائنًا حقًّا؛ كانوا يتنقلون بين المدن يطلبون الشباب الثري ويتقاضونه الأجور الوفيرة، وكان هذا الشباب يهرع إليهم ليتقوى بالعلم فوق ما توفر له من أسباب الغلبة كالمال والعصبية، فيستمع إلى خطبهم العلنية ودروسهم الخاصة، فأصابوا مالًا طائلًا وجاهًا عريضًا، ولكن اليونان كانوا يستقبحون أن يباع العلم ويشترى، وكانوا يفهمون المدرسة على أن التلاميذ يفدون على المعلم يقيم في مكان دائم، ولا يبذلون من المال إلا الضروري لحاجات المدرسة، فعكس السوفسطائيون الآية وتنزلوا بالعلم إلى مستوى الحرف والصنائع، فلحقتهم الزراية، لم يأخذوا بالعلم على أنه معرفة الحقيقة، ولم يكترثوا