في مكان، فيلزم أن مكانه مغاير له وأعظم منه، وهذا يناقض كونه لا متناهيًا وإذن فليس الوجود قديمًا، أما إن كان حادثًا فإما أن يكون قد حدث بفعل شيء موجود أو بفعل شيء غير موجود، ففي الفرض الأول لا يصح أن يقال: إنه حدث؛ لأنه كان موجودًا في الشيء الذي أحدثه فهو إذن قديم، وفي الفرض الثاني الامتناع واضح. وأما عن القضية الثانية فإنه يقول: لكي نعرف وجود الأشياء يجب أن يكون بين تصوراتنا وبين الأشياء علاقة ضرورية هي علاقة المعلوم بالعلم؛ أي أنْ يكون الفكر مطابقًا للوجود وأن يوجد الوجود على ما نتصوره، ولكن هذا باطل فكثيرًا ما تخدعنا حواسنا وكثيرًا ما تركب المخيلة صورًا لا حقيقة لها. وأما عن القضية الثالثة فترجع حجته إلى أن وسيلة التفاهم بين الناس هي اللغة، ولكن ألفاظ اللغة إشارات وضعية؛ أي رموز، وليست مماثلة للأشياء المفروض علمها، فكما أن ما هو مدرك بالبصر ليس مدركًا بالسمع والعكس بالعكس، فإن ما هو موجود خارجًا عنا مغاير للألفاظ، فنحن ننقل للناس ألفاظنا ولا ننقل لهم الأشياء، فاللغة والوجود دائرتان متخارجتان1.
ج – هذا مثال من عبث السوفسطائيين، ومهما يُقَلْ من أنهم أخرجوا الثقافة من المدارس الفلسفية ونشروها في الجمهور وأنهم مهدوا للمنطق وللأخلاق؛ فقد كادوا يقضون على الفلسفة لولا أن أقام الله سقراط ينتشلها من هذه الورطة المهلكة.
- ↑ انظر الكتاب المنسوب إلى أرسطو: «في مليسوس وأكسانوفان وغورغياس» ف٥ و٦. ويسمي الإسلاميون موقفه بالعنادية: ما من قضية إلا ولها معارضة بمثلها قوة.