صفحة:تاريخ الفلسفة اليونانية (1936) يوسف كرم.pdf/71

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
–٦٥–

الشباب يصلح ما أفسد السوفسطائيون من أمرهم ويبصرهم بالحق والخير؛ ليهيئ للبلد مستقبلًا طيبًا على أيديهم. وحدث أن سأل أحد مريديه كاهنة دلف الناطقة بوحي أبولون: «هل يوجد رجل أحكم من سقراط؟» فكان الجواب بالسلب، فعجب له سقراط، ولم يكن يرى في نفسه شيئًا من الحكمة، وأراد أن يستبين غرض الإله فطفق يمتحن الشعراء والخطباء والفنانين والسياسيين؛ ليتحقق إن كان أحكم منهم ويكشف عن ماهية حكمته، كان يسألهم في حلقات واسعة تضم أشتات الناس فيما حذقوه من فنهم فلا يلبث أن يتبين وأن يبين لهم أنهم لا يعلمون شيئًا، وأنهم إنما يصدرون عن مجرد ظن أو عن إلهام إلهي وكلاهما مباين للعلم،1 وخرج من هذا الامتحان الطويل بأن مراد الإله هو أن حكمته قائمة في علمه بجهله، بينا غيره جاهل يدعي العلم، فمضى في مهمته يبذل الحكمة بلا ثمن وهو يعتقد أنه يحمل في عنقه أمانة سماوية، وأن الله أقامه مؤدبًا عموميًّا مجانيًّا يرتضي الفقر ويرغب عن متاع الدنيا؛ ليؤدي هذه الرسالة الإلهية، وكان إلى جانب هذا وطنيًّا صادقًا وجنديًّا باسلًا، خدم في الجيش ضمن المشاة واشترك في حربين دامت الأولى من سنة ٤٣٢ إلى سنة ٤٢٩، ووقعت الثانية سنة ٤٢٢ وتوسطتهما موقعة سنة ٤٢٤، فدل في كل فرصة على رباطة جأش وشجاعة وصبر على مكاره الجندية، ونجى من الموت ألفبيادس في إحدى المعارك وأكسانوفون في أخرى، وأصابته القرعة فدخل مجلس الشيوخ، وكان عضوًا في لجنته الدائمة سنة ٤٠٦ فعرف بالنزاهة واستقلال الرأي بين الديموقراطيين والأرستقراطيين، وكانت له مواقف مشهودة جهر فيها بالحق والعدل مستهدفًا للخطر صامدًا للهياج، وما أن انقضت مدة انتخابه حتى عاد إلى سابق أمره من البحث والإرشاد إلى أن بلغ السبعين.2


  1. انظر فيما بعد عدد (٤٠–ج).
  2. انظر أفلاطون: «احتجاج سقراط على أهل أثينا».