صفحة:تاريخ الفلسفة اليونانية (1936) يوسف كرم.pdf/72

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
–٦٦–

٢٦ – فلسفته:

أ - انتهج سقراط منهجًا جديدًا في البحث والفلسفة، أما في البحث فكان له مرحلتان «التهكم والتوليد»: ففي الأولى كان يتصنع الجهل ويتظاهر بتسليم أقوال محدثيه، ثم يلقي الأسئلة ويعرض الشكوك شأن من يطلب العلم والاستفادة بحيث ينتقل من أقوالهم إلى أقوال لازمة منها، ولكنهم لا يسلمونها؛ فيوقعهم في التناقض، ويحملهم على الإقرار بالجهل، وهذا ما يسمى بالتهكم السقراطي أي السؤال مع تصنع الجهل1 أو تجاهل العالم، وغرضه منه تخليص العقول من العلم السوفسطائي — أي الزائف — وإعدادها لقبول الحق، وينتقل إلى المرحلة الثانية فيساعد محدثيه بالأسئلة والاعتراضات مرتبة ترتيبًا منطقيًّا على الوصول إلى الحقيقة التي أقروا أنهم يجهلونها فيصلون إليها وهم لا يشعرون ويحسبون أنهم استكشفوها بأنفسهم، وهذا هو التوليد — أي استخراج الحق من النفس — وكان سقراط يقول في هذا المعنى: إنه يحترف صناعة أمه — وكانت قابلة — إلا أنه يولد نفوس الرجال2. والأمثلة كثيرة في محاورات أفلاطون.

ب - وأما في الفلسفة فكان يرى أن لكل شيء طبيعة أو ماهية هي حقيقته يكشفها العقل وراء العوارض المحسوسة ويعبر عنها بالحد، وأن غاية العلم إدراك الماهيات أي تكوين معان تامة الحد، فكان يستعين بالاستقراء، ويتدرج من الجزئيات إلى الماهية المشتركة بينها، ويرد كل جدل إلى الحد والماهية، فيسأل: ما الخير وما الشر، ما العدالة وما الظلم، ما الحكمة وما الجنون، ما الشجاعة وما الجبن، ما التقوى وما الإلحاد؟ وهكذا، فكان يجتهد في حد الألفاظ والمعاني


  1. أفلاطون: «الجمهورية» م١ ص٣٣٧ (أ).
  2. أفلاطون: «تيتياتوس» ص١٤٩–١٥٢.