صفحة:تاريخ الفلسفة اليونانية (1936) يوسف كرم.pdf/73

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
–٦٧–

حدًّا جامعًا مانعًا، ويصنف الأشياء في أجناس وأنواع؛ ليمتنع الخلط بينها، في حين كان السوفسطائيون يستفيدون من اشتراك الألفاظ، وإبهام المعاني، ويتهربون من الحد الذي يكشف المغالطة، فهو «أول من طلب الحد الكلي طلبًا مطردًا وتوسل إليه بالاستقراء، وإنما يقوم العلم على هاتين الدعامتين، يكتسب الحد بالاستقراء، ويركب القياس بالحد، فالفضل راجع إليه في هذين الأمرين.»1

ولقد كان لاكتشافه الحد والماهية أكبر الأثر في مصير الفلسفة؛ فقد ميز بصفة نهائية بين موضوع العقل وموضوع الحس، وغير روح العلم تغييرًا تامًّا؛ لأنه إذ جعل الحد شرطًا له قضى عليه أن يكون مجموعة ماهيات، ونقله من مقولة الكمية؛ حيث استبقاه الطبيعيون والفيثاغوريون إلى مقولة الكيفية، فهو موجد «فلسفة المعاني» أو الماهيات المتجلية عند أفلاطون وأرسطو والتي ترى في الوجود مجموعة أشياء عقلية ومعقولة.

ج - سبقت الإشارة إلى أنه لم يحفل بالطبيعيات والرياضيات، ولم يكن موقفه بإزاء النظريات العلمية ليختلف كثيرًا عن موقف السوفسطائيين، فآثر النظر في الإنسان وانحصرت الفلسفة عنده في دائرة الأخلاق2 باعتبارها أهم ما يهم الإنسان، وهذا معنى قول شيشرون: إن سقراط أنزل الفلسفة من السماء إلى الأرض؛ أي إنه حول النظر من الفلك والعناصر إلى النفس، وتدور الأخلاق على ماهية الإنسان، وكان السوفسطائيون يذهبون إلى أن الطبيعة الإنسانية شهوة وهوى، وأن القوانين وضعها المشرعون لقهر الطبيعة، وأنها متغيرة بتغير العرف والظروف فهي نسبية غير واجبة الاحترام لذاتها، ومن حق الرجل القوي بالعصبية أو بالمال أو بالبأس أو بالدهاء أو بالجدل أن يستخف بها أو ينسخها


  1. أرسطو: ما بعد الطبيعة م١ ف٦ ص٩٨٧ ع ب س١–٤ وم١٣ ف٤ ص١٠٧٨ ع ب س١٦–٣٠ باختصار.
  2. أرسطو: في الموضعين المتقدمين.