وتعيين العقوبة التي يرتضيها، فيستأنف سقراط الكلام ويصرح أنه لا يدهش للقرار، بل يدهش؛ لأنه صدر بغالبية ضئيلة؛ إذ كان يكفي أن ينحاز ثلاثون صوتًا منها للأقلية حتى تتساويا — فكأن الغالبية كانت ٢٨١ والأقلية ٢٢١ على تقدير أن عدد القضاة كان كما ذكرنا — ويرفض كل عقوبة؛ لأن الرضا بواحدة أيًّا كانت إقرار بالذنب وهو بريء محسن يجب أن يثاب على إحسانه، والثواب اللائق به أن يعيش في مجلس الشيوخ على نفقة الدولة، غير أن تلاميذه يلحون عليه فينتهي بأن يقبل تأدية غرامة، ويتقدم أفلاطون وبعض الأصدقاء بكفالته، ولكن القضاة كانوا قد غضبوا عليه فيقترعون فتحكم عليه بالإعدام أغلبية أعظم، فيعاود الكلام ويقول: إنه لا يأسف على شيء؛ لأنه لم يفعل ولم يقل إلا ما بدا له أنه حق، ويختم بكلمة طيبة إلى الذين اقترعوا في جانبه مؤكدًا لهم أنه مغتبط بالموت، وأنه لا يعتبر الموت شرًّا بل يرى فيه الخير كل الخير، سواء افترضناه سباتًا أبديًّا، أم بعثًا لحياة جديدة.1
د - وكانت أثينا ترسل كل سنة حجيجًا إلى معبد أبولون في جزيرة ديلوس، فاتفق أن كلل مؤخر المركب في اليوم السابق على صدور الحكم، وكان قانونًا مرعيًّا أن لا تدنس المدينة بإعدام طوال زمن الحج، وقد استغرق تلك السنة ثلاثين يومًا، فانتظر سقراط في سجنه أوبة المركب، وكان تلاميذه يختلفون إليه كل يوم يتلاقون عند الفجر في المحكمة، فإذا ما فتح باب السجن دخلوا، وكثيرًا ما كانوا يقضون معه النهار بأكمله، وكان هو ينظم في أوقات الفراغ: فنظم أمثال إيسوب، ونشيدًا لأبولون؛ ولم يكن قد نظم الشعر قبل ذلك، وإنما نظم امتثالًا لصوت طالما سمعه في المنام،2 وائتمر تلاميذه فهيأوا