خصومهم نفيًا وتقتيلًا وصادروا ممتلكاتهم، ثم انقسموا على أنفسهم فملئُوا المدينة فسادًا وملئُوا قلبه غمًّا، ولما هزمهم الشعب وقامت الديمقراطية أنصفت بعض الشيء فأحس رغبة في السياسة يبغي المعاونة على تأييد العدالة وتوفير السعادة، ولكن الديموقراطية أعدمت سقراط، فيئس أفلاطون من السياسة وأيقن أن الحكومة العادلة لا ترتجل ارتجالًا، وإنما يجب التمهيد لها بالتربية والتعليم1. فقضى حياته يفكر في السياسة ويمهد لها بالفلسفة، ولم تكن له قط مشاركة عملية فيها.
ب – وداخله من الحزن والسخط لممات معلمه ما دفعه إلى مغادرة أثينا، فقصد إلى ميغاري حيث كان بعض إخوانه قد سبقوه والتفوا حول إقليدس أكبرهم سنًّا، مكث هناك نحو ثلاث سنين ثم سافر إلى مصر (وهو يذكرها في غير ما موضع من كتبه ولا سيما «الجمهورية» و«القوانين» ذِكْرَ مَنْ عرفها معرفة شخصية) وانتهز الفرصة فذهب إلى قورينا لزيارة عالمها الرياضي تيودوروس ومدرسته، وعاد إلى مصر فقضى زمنًا في عين شمس واتصل بمدرستها الكهنوتية، وأخذ بنصيب من علم الفلك، ولا بد أن يكون قد استفاد أيضًا بملاحظة الديانة والحكم والأخلاق والتقاليد فإن في مؤلفاته الشواهد العديدة على ذلك، ونشبت بين اسبرطة وأثينا الحرب المعروفة بحرب قورنتية سنة ٣٩٥ وحالف نفريتس ملك مصر السفلى اسبرطة، فاضطر أفلاطون لمغادرة مصر، وأقام في بلده طول الحرب أي إلى سنة ٣٨٨ متوفرًا على الدرس ناشرًا من المحاورات ما أثار إعجاب الأثينيين، ولما انتهت الحرب رحل إلى جنوبي إيطاليا يقصد في الأرجح إلى الوقوف على المذهب الفيثاغوري في منبته؛ وكان قد شغف به، فنزل ترنتا وزار رئيس جمهوريتها القائد أرخيتاس، وكان فيثاغوريًّا مذكورًا وتوثقت بينهما روابط الصداقة. وفيما
- ↑ انظر الرسالة السابعة في مجموعة رسائله ص٣٢٤–٣٢٦.