الأفكار والسلع عاملاً قويٍّا في إنضاج الحضارة اليونانية على النحو الذي جعلها فذة في التاريخ، ويرجع الفضل الأكبر فيها للمستعمريين بالإجمال، وللأيونيين منهم بنوع خاص، فإن مخالطتهم للأمم الأجنبية قوت نسلهم، ووسعت مداركهم وحررت عقولهم، وكان الأيونيون أنجب اليونان، جاوروا الأمم الشرقية فانتفعوا بعلومها واصطنعوا وسائل مدنيتها؛ فكانت بلادهم مهد الثقافة اليونانية فيها نظمت القصائد الهوميرية؛ ومنها خرج العلم والفلسفة.
٢ — هوميروس:
أ — كان المعتقد إلى سبعين سنة خلت أن شعر هوميروس يمثل طفولة الفكر اليوناني، ومن ثَمة طفولة الإنسانية على تقدير أن تصور هوميروس من السذاجة بحيث يصح اعتباره أول مرحلة من مراحل العقل يحاول فهم الطبيعة وفهم نفسه، ولكن العلماء كشفوا سنة ١٨٧١، وما زالوا يكشفون عن آثار في شبه الجزيرة وفي بعض الجزر، وعلى الخصوص كريت عرفوا منها أن حضارة مادية عظيمة أزهرت في اليونان قبل هوميروس بثمانية قرون هي المذكورة في أساطيرهم، وفي وقائع طروادة إلى أن دمرها الدوريون في إغارتهم المشهورة حوالي سنة ١١٠٠ وأيقنوا أن الحياة التي يصفها الشعر الهوميري بما فيها من غنى وقوة وفن وترف وليدة تطور قديم، على أن أقدم ما وصل إلينا من شواهد الفكر اليوناني الإلياذة والأوذيسيه وهما تنسبان لهوميروس منذ زمن بعيد، إلا أن الشك قديم في حقيقته وفي نسبة القصتين جميعًا لشاعر واحد، ولقد أثبت النقاد المتأخرون أن كليهما مجموعة قصائد لشعراء مختلفين في موضوع واحد مما يحدو للظن أن النسبة أتت من أن هوميروس كان واحد من أولئك الشعراء وكان أشهرهم، أو أنه كان أحدثهم عهدًا؛ حفظها وأنشدها فنسبت إليه باعتباره الجامع لها فإن اسمه