صفحة:داعي السماء.pdf/13

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
داعي السماء


ثم اتسع نطاق البحث العلمي في القرن التاسع عشر فأدخل الفوارق بين الشعوب في موضوعاته الكثيرة، وجعل لها علمًا خاصًّا أو بابًا خاصًّا من أبواب المعرفة يسمى معرفة الأجناس البشرية.

وانتهى به البحث إلى وجود الفوارق الصحيحة بين خمسة من الأجناس التي ينتمي إليها شعوب البشر كافة، وهي الجنس القفقاسي أو الأبيض، والجنس الزنجي أو الأسود، والجنس المغولي أو الأصفر، والجنس الأسمر أو أهل الملايا، والجنس الأحمر أو سكان القارة الأمريكية الأصلاء.

واختصر بعضهم هذا التقسيم إلى ثلاثة أقسام فجعل الأجناس الصفراء والسمراء والحمراء فروعًا من أصل واحد. وهو اختصار له سند معقول.

وقد عني أصحاب هذه التقاسيم بالفروق التي تورث وتنتقل مع الأجيال؛ أي بالفروق التي يسمونها فروقًا بيولوجية دون غيرها من الفروق الاجتماعية التي تكسب بالقدوة والمحاكاة.

وتناول العالم اللغوي الألماني ماكس موللر دراسة الأجناس من الناحية التي تعنيه، وهي ناحية المقابلة بين اللغات. فاستخدم كلمة اللغات الآرية وأحياها من جديد، بعد أن سبقه إلى استخدامها السير وليام جونس في أواخر القرن الثامن عشر، وقرر أن لهجات اللغة الهندية الفارسية نشأت من مهد واحد في أواسط آسيا التي كان الأقدمون يعرفونها باسم «أريانا»، وأنها كانت في نشأتها الأولى لغة قبيل واحد من الأجناس البشرية، وكلا القولين اليوم خطأ عند علماء هذه المباحث فيما أثبته جوليان هكسلي من كلامه عن الجنس في القارة الأوروبية.

وأحس العالم الألماني الكبير أن دعوة الجنس الآري ستخرج من حيز التفكير العلمي إلى ميدان الصراع على الشهوات السياسية، فحذر قراءه من الخطأ في تفسير كلامه وعاد إلى التحذير من ذلك في شيخوخته حيث قال: «لقد ناديت مرة بعد مرة أنني إذا ذكرت الآرية فلست أعني الدم ولا العظم ولا الشعر ولا الجمجمة. وإنما أرمي إلى قصد واحد وهو أولئك الذين يتكلمون باللغة الآرية … ومتى تكلمت عنهم فلست أتبع في ذلك الخصائص التشريحية، ولا أعني أن أبناء السكنديناف ذوي العيون الزرق والشعر الأصفر قد كانوا قاهرين أو كانوا مقهورين، ولا أنهم قد اتخذوا لغة السادة السمر الذين تغلبوا عليهم أو كان الأمر عل نقيض ذلك … وعندي أن عالم الأجناس الذي يتكلم عن العنصر الآري والدم الآري والعيون الآرية والشعر الآري إنما هو في خطيئته العلمية كاللغوي الذي يتكلم عن معجم مستطيل الرأس أو أجرومية مستديرته على حد سواء.»

12