صفحة:داعي السماء.pdf/26

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
مسألة العنصر
الأولى كانوا يبعثون الحملات إلى بلاد كوش لاستجلاب العبيد منها، وكان عدد الزنوج المجلوبين كبيرًا على الأغلب في جميع الأزمان، ولعل عبد ملك الذي أنقذ حياة النبي أرميا كما جاء في الإصحاح الثاني والثلاثين كان من الزنوج وكذلك الكوشي جد اليهودي الذي جاء ذكره في الإصحاح السادس والثلاثين إذ يقول: «فأرسل كل الرؤساء إلى باروخ يهودي بن نثنيا بن شلميا بن كوشي قائلين: الدرج الذي قرأت فيه في آذان الشعب خذه بيدك وتعال.»

ومع قدم الاتصال بالحضارة المصرية تلك القرون الطوال لم يتعلم الزنجي منها على الأرجح غير صهر الحديد، فجاء عصر الحديد معقبًا لعصر الحجر توًّا في تاريخ بعض القبائل بغير توسط من عصر الشبَه أو النحاس. والزنجي مقلد شديد الميل إلى التقليد. ولهذا يلفت النظر أنه لم يظهر قط رغبته في الرسم خلافًا للمصري المثقف؛ بل خلافًا لأبناء قبائل البوشمان المقيمين بأقصى الجنوب في القارة الأفريقية، فإن رسوم الحيوان على الجدران التي تحتمي بها قبائل البوشمان حية ملهمة ومنها ما ليس يُخجل الفنان الأوروبي إذا نسب إليه، وهي على الجملة تفضي بنا إلى سؤال عن قدم الجنس الزنجي في التاريخ.

ففي جنوب مصر تشاهد الصخور الرملية التي تغطيها رسوم الحيوان والإنسان ومنها الحديث الذي لا شك في حداثته والقديم الذي لا شك كذلك في قدمه، ويرى على الصخر الواحد شيء من تلك الرسوم ونقوش ترجع إلى الأسرة الخامسة، فأما النقوش الأخيرة فيبدو عليها تغيير قليل من أثر العوارض الجوية حتى ليخيل إلى الناظر إليها أنها من عمل أمس القريب، وأما الرسوم الأولى فيبدو مما أصابها من أثر العوارض الجوية أنها قد مضى عليها رَدْح طويل من الزمان، ويرى — عدا هذا — بين الرسوم رسم الزرافة كثير التكرار، فإذا لاحظنا أن ذلك الإقليم كان أرضًا قاحلة من بداية التاريخ المصري، دل حضور الزرافة في رسومها على عهد بعيد القدم كانت فيه تلك الأرض بطاحًا مروية بالماء تغطيها أشجار الحسك التي يرعاها الزراف. وينتشر رسم النعامة في تلك الرسوم كما ينتشر رسم الزرافة مع اختفاء رسم النعامة من المقاطع الهيروغليفية التي تتمثل فيها الطيور المصرية على وفرة ملحوظة، وخليق بهذا أن يدلنا على أن النعامة لم تكن معروفة عند مخترعي

25