صفحة:داعي السماء.pdf/27

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
داعي السماء

الكتابة المصرية الأولى، وأن سيرفلاندرس بتري على حق حين يستخلص من هذا أن الرسوم التي ذكرناها هي بقايا متخلفة مما قبل التاريخ لأسلاف المصريين في وادي النيل. وتؤيد رأيه كشوف السائحين في جهات أخرى من أفريقية الشمالية حيث تشاهد أمثال تلك الرسوم في جنوب تونس ومراكش. وقد أستطيع الاهتداء إلى تاريخها التقريبي من حالة واحدة أمكن العثور عليها، فإن الدكتور بونيه Bonnet وجد في وهران الأداة الحجرية التي كانت تنقش بها تلك الرسوم ملقاة تحت بعض الصخور التي عليها تلك الرسوم ووجد على مسافة غير بعيدة منها المصنع النيولوتي الذي تصنع فيه تلك الآلات، ومن ثم يفهم أن الرسوم ترجع إلى العهد السابق لاستبدال الآلات المعدنية بالآلات الحجرية، وهو عهد في مصر جد بعيد.

فمن المحتمل إذن على ما يظهر أنه في العهد الذي كانت فيه الصحراء الكبرى مخصبة وكانت دال مصر ذراعًا من البحر الملح كان جيل من الناس قريب إلى جيل البوشمان ينزل في أفريقية الشمالية بين السواحل الأطلسية وشواطئ نهر النيل، ولعل قبائل الأكاسيين وغيرها من قبائل الأقزام المستديرة الرءوس في أواسط أفريقية بقية ذلك الجيل القديم، وقد أَجْلَتْهم عن مواطنهم غارات الزنج ولم تزل بهم غارات قبائل البانتو أو الكافرين حتى ألجأتهم إلى جنوب القارة الأفريقية، وقد كانوا جسديًّا دون أعدائهم في القوة وإن لم يكونوا دونهم في المزايا الأدبية، وكانوا على كلٍّ ذوي ملكة فنية تعوز الزنج والكافرين على السواء وهي ملكة الرسم؛ إذ لم يكن في وسع الزنجي أن يرسم أو يتمم رسوم الصخور في بلاد البوشمان ولا رسوم الصخور في أفريقية الشمالية.

وقد كانت الجبال التي تحد الصحراء من الشمال مسكن قبائل من اللوبيين منذ عهد سحيق في القديم، وقد وصفنا هذا الجيل آنفًا وبينا أنه ينتمي إلى سلالة مميزة بين سلالات الجنس الأبيض، وربما شاهدنا اليوم في قرى إنجلترة وأيرلندة فروعًا من تلك القبائل على حسب الملامح الظاهرة، والنموذج العتيق الذي تبديه لنا تلك القبائل تؤكد لنا الآثار المصرية كما تجلوه الملامح البيضاء التي بقيت له إلى الآن …

وكلام الدكتور سايس هذا في أوصاف الجنس الزنجي وتاريخه العريق قليل الخطأ كثير الصواب، أو هو من أصح ما كتب في هذا الموضوع، ويزاد عليه من كتب الأجناس

26