صفحة:داعي السماء.pdf/38

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
العرب والأجناس

فقد غلبت على بعض العرب أنفسهم سمرةٌ تضرب شديدًا إلى السواد، وكان من سادتهم من وصف بحلكة اللون وشابه الزنج بالإهاب الخشن والبشرة الفاحمة.

فإذا قالوا: «العبد» فهم لا يقصدون الزنجي ولا يخصون سواد اللون بالمهانة، ولكنهم يقصدون كل أسير لم يفك إساره وكل جليب يباع ويشرى في الأسواق، ومنهم صفر الوجوه وبيض الوجوه.

ويقصدون على الأخص كل إنسان مجهول النسب لا ينتمي إلى أصل من أصولهم المشهورة … إذا لم يكن في وسعهم أن يجهلوا مفخرة النسب، وقد فرضتها عليهم معيشة البادية ومفاخرة الحاضرة مئات السنين.

فلا يُزدرى العبد عندهم لأنه حالك اللون ولا لأنه من جنس يعادونه ويعاديهم، ولكنه يزدرى لعلة اجتماعية لا لعلة عنصرية، وقد تزول هذه العلة من حيث لا تزول علل العناصر وعداوات الأجناس.

وجاء زمن على الدولة العربية بعد اتساعها وسطوتها كثر فيه جلب الزنوج السود من القارة الأفريقية إلى فرضات البحار المقاربة للعاصمة العربية، وأكبرها البصرة في ذلك الحين، فشجر بين الزنج والعرب يومئذ عداء الأجناس في عصوره الحديثة والقديمة، ونشبت فتنة الزنج بالبصرة على مثال الفتن الجنسية التي نشهدها اليوم أو توصف لنا في التواريخ، ولكنها كانت غاشية عابرة لسبب عابر، فذهب أثرها بعد ذهابها بسنوات.

أما في غير تلك الآونة فقد كان الزنج قلة في بوادي الجزيرة وحواضرها، وكان الرجل العربي يولد الجارية السوداء ويتبنى وليدها إذا نجب وصلحت حاله وظهرت منه الفروسية والفصاحة، وربما كان له عبد يحمد خصاله فيعقته ويستلحقه ويزوجه بنته أو ذات محرم منه، ولا يمنعه أن يصنع ذلك عداء الجنس أو بغضاء اللون، بل يمنعه عرف اجتماعي توجد له النظائر في كل عرف يدور حول الزواج، ولو بين الأقرباء. وعلينا أن نحترس كثيرًا من نسبة كل عبد أسود يذكر في أيام العرب إلى الزنج أو أبناء حام كما يعرفون في علم الأجناس.

فلعله كان ساميًّا عبر إلى أفريقية كما عبر الإثيوبيون، ولعله أن يكون خلاسيًّا من الساميين والحاميين، ويغلب على الظن أن بلالًا — صاحب السيرة في هذا الكتاب — كان حاميًّا حبشيًّا ولم يكن زنجيًّا خالصًا من السود؛ لأن العرب يحسنون وصف الملامح التي تميز الأجناس والسلالات، ولم يذكروا من أوصاف بلال الفطس ولا الشعر الصوفي «المفلفل» اللذين يميزان معًا سلالة حام.

37