صفحة:داعي السماء.pdf/45

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
داعي السماء

أما ضرب الرقيق بغير تأديب محتمل فهو ذنب كفارته العتق، أو كما قال عليه فإذا قتله فهو يقتل به في قول أشهر الفقهاء. «. من لطم مملوكه فكفارته عتقه » : السلام وقد فضل الإسلام الزواج بالأمة المؤمنة على الزواج بالحرة المشركة. وأوجب عتق الأمة متى ولدت للرجل واعترف بأبنائها.

وقد أعتق النبي عليه السلام مملوكه زيدًا وزوجه بعقيلة حرة من عقيلات بيته، وتبناه وأقام ابنه أسامة من بعده واليًا على جيش الشام وهو دون العشرين، وفي الجيش نخبة من أجلاء الصحابة منهم عمر بن الخطاب.

وكانت معاملة النبي للأرقاء في ملك يده وفي ملك غيره تفوق سماحة هذه الوصايا على فرط ما فيها من السماحة بالقياس إلى آداب ذلك العصر، وإلى آداب جميع العصور، فكان يؤاكلهم ويلبي دعوتهم إلى الطعام ويقول للمسلمين « هم إخوانكم وخولكم جعلهم  : لله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، ويلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم.»

وأكرم ما قال في هذا الباب — وكله كريم : « إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد.»

 

هذه الوصايا والمعاملات كانت كلها من فيض الآداب العلوية الرفيعة، ولم يكن شيء منها قط من إملاء الضرورات الاجتماعية أو المصالح الاقتصادية، بل هي ولا شك قد تقررت على الرغم منضرورات الاجتماع ومصالح الاقتصاد التي كانت غالبة في تلك الآونة على الجزيرة العربية وعلى غيرها من أرجاء العالم المعمور.

وهي لم تتقرر — بالبداهة — دفعة واحدة في مستهل الدعوة الإسلامية، ولا تقررت كلها أو بعضها قبل إسلام بلال وزملائه من الموالي والإماء. فقد تتابعت الأحكام الإسلامية في معاملة الرقيق على أثر قيام الحرب بين المسلمين والمشركين، وبعد ظهور حالة الأسرى والمستأسرين في معارك الفريقين.

فمن الخطأ أن يقال: إن أحكام الرقيق هي التي جلبت إلى الإسلام من دخل فيه من الموالي والإماء، أو إنهم سيقوا إلى الدخول فيه طلبًا لراحة الجسد وهربًا من مظالم السادة ومتاعب التسخير.

إن يكن هناك أثر للمعاملة الحسنة في إقبال بلال وزملائه على الإسلام، فهو على التحقيق أثر المثال الرفيع الذي تمثلوه في معاملة النبي عليه السلام لصحبه ومواليه،

44