صفحة:داعي السماء.pdf/60

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
إسلام بلال

قال رواة صدر الإسلام: أما أبو بكر فمنعه الله بقوته وكذلك من كان لهم قوم يحمونهم. وأما سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم أدراع الحديد وأصهروهم في الشمس، فما منهم إنسان إلا وقد واتاهم على ما أرادوا من الكفر وسب النبي عليه السلام، إلا بلالًا فإنه هانت عليه نفسه في الله وهانت على قومه فأعطوه الولدان فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة وهو يقول: أحد. أحد. ولا يزيد. وجاء في طبقات ابن سعد بإسناده ما فحواه: إنه كان من المستضعفين من المؤمنين، وكان يعذب حين أسلم ليرجع عن دينه فما أعطاهم قط كلمة مما يريدون، وكان الذي يعذبه أمية بن خلف … وكانوا إذا اشتدوا عليه في العذاب قال: أحد. أحد. فيقولون له قل كما نقول. فيقول: إن لساني لا يحسنه. وكانوا يأخذونه فيمطُّونه ويلقون عليه من البطحاء وأنطاع الأدم ويريدونه على أن يذكر اللات والعزى فلا يذكرهما ويقول: أحد. أحد. فأتى عليه أبو بكر فسألهم علام تعذبون هذا الإنسان! واشتراه بسبع أواق وأعتقه. ومما جاء في الطبقات أن أبا جهل جاءهم بالعشي فجعل يشتم سمية ويرفث، ثم طعنها فقتلها فهي أول شهيد في الإسلام. وهانت على بلال نفسه في الله حتى ملُّوه، فجعلوا في عنقه حبلًا ثم أمروا صبيانهم أن يشدُّوه بين أخشبي مكة فلم يزدهم على كلمته التي كان يرددها ولا يمل من تردادها: أحد. أحد. وكانوا يضربونه ويلقونه على الرمال الكاوية في وقدة الهجير ثم يضعون الحجارة على صدره وهو لا يجيبهم إلى كلمة مما يسألونه، ولا يسكت ولا يكف عن الجهر بالتوحيد.

 

هذه صورة بلال رضي الله عنه في مبدأ إسلامه وهو يتلقى العذاب ويتعرض للموت ولا يصل به الإسلام إلى الوعود — فضلًا عن تحقيق الوعود — في معاملة المستضعفين من العبيد والإماء؛ لأن أحكام الإسلام في معاملة الأسرى والأرقاء على التعميم لم تكن معروفة مفصلة في ذلك الحين. وإن آخر ظن يخطر على بال المرء إذ يرى بلالًا على تلك الصورة المؤلمة، أنه يرى أمامه رجلًا وازن بين سوء المعاملة في الجاهلية وحسن المعاملة في الإسلام، فاختار المعاملة الحسنة ودخل في الدين الجديد من أجلها. لأن إسلام بلال لم يكن مخرجه من رق سادته المشركين، ولم يكن سوء معاملتهم إياه قبل الإسلام شيئًا يذكر إلى جانب ذلك العذاب الأليم الذي كان يُسامُه بعد إسلامه،

59