صفحة:داعي السماء.pdf/77

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
داعي السماء

كان الترجمان ممن يعون طرفًا من تاريخ الإسلام فلعله ينبئه أن المؤذن الأول — أول من رتل الدعاء إلى الصلاة — كان الخادم المقدس الذي اصطفاه نبي الإسلام لهذه الدعوة، بلال بن رباح، صاحب الضريح الذي يشار إليه للسائح في ناحية من دمشق حتى هذا اليوم.

 

وقد لمسنا نحن أثر الأذان البالغ في روع كثير من السائحين والسائحات الذين ينزلون ببلدتنا أسوان خلال الشتاء، أو يمرون بها في الطريق من السودان وإليه.

فإنهم كانوا يصلون إلى أسوان وقد سمعوا الأذان مرات في القاهرة والإسكندرية، وربما سمعوه في غيرهما من البلدان الإسلامية، ولكنه كان يفاجئهم بجدة لا تبلى كلما طرق أسماعهم بالليل أو النهار — ولا سيما في أيام الجمعة. وكان من المصادفات الطيبة أن مؤذن الجامع الأكبر بالمدينة كان حسن الصوت منطلق الدعاء، يمزج الغيرة الدينية بالغيرة الفنية في أذانه، فكان يخيل إلينا وهم يصغون إليه أنهم يتسمعون هاتفًا من هواتف الغيب يطرق الأسماع في وقت رتيب، أو يترقبون طائرًا من طوائر الهجرة التي تأتي في الأوان، ولكن كما يأتي كل شيء غريب.

وكان من عادات المؤذنين التي لبثوا يعيدونها في شهر رمضان إلى عهد قريب أن يدقوا طبول السحور على المنائر العالية في الهزيع الأخير من الليل. فشكا بعض النازلين بالفنادق القريبة من المنارة وترددوا في تبليغ شكواهم إلى رجال الحكومة؛ لأنهم حسبوا هذه الطبول شعيرة من شعائر الإسلام، فلما سأل عنها بعضُ مثقفيهم وقيل لهم: إنها عادة من عادات البلد وليست شعيرة من شعائر الدين تقدموا برجائهم وقالوا: إننا لا نشكو من الأذان؛ لأنه لا يقلقنا ولا يزال يسري إلينا في ساعة الفجر كما يسري الحلم الجميل، ولكننا نقلق من هذه الطبول التي تدق فوق رءوسنا، وكنا نحتملها لو علمنا أنها شعيرة لا تبديل لها. ولكننا علمنا أنها تبدل في كل بلد إسلامي على حسب عاداته، وأن المدن الكبرى تستبدل بها طبولًا صغيرة تدق على الأبواب: فاسمحوا لنا أن نهدي إلى البلد بعض هذه الطبول.

وكانت هذه الطبول مما يباع في كل موسم للسائحين على أحجام مختلفة؛ لأنها كانت تستخدم في عهد الدراويش بالسودان، إما لجمع الجند أو لتنبيه الغافلين أو للتوقيع والتنغيم، وكانت ملابس الدراويش وأسلحتهم وأدوات معيشتهم مما يبحث عنه السائحون في أسواق البلدة، فتبرعوا بالطبول الصغيرة فرحين؛ لأنها تنقذهم من قرع

76