صفحة:داعي السماء.pdf/84

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
المؤذن الأول

واليوم ترتفع إلى السماء منائر لا عداد لها في كل موطن من مواطن الإسلام حتى واحات الصحراء، وقد تقوم على بناء بعضها أيدٍ جاهلة بميزان البناء فيخيل إلى من يراها أنها تتلوى من الوجد، كمئذنة «أوجلة» التي رآها فكتور لارجو Largau في سنة 1877.

أما الكلمات التي يرددها المسلمون في أنحاء عالم الإسلام من حيث تقوم بِنَى القرميد التي ترفع على قبور الصحراء إلى تلك المنائر السحرية الحالمة التي ترتفع على مسجد «أجرا» عند ضريح «تاج محل» بالهند — فهي بنصها وفصها تلك الكلمات التي ترنم بها صوت بلال المكين.

ولا تزال للمؤذن شروط ترعى حتى اليوم ليسمح له بأداء الأذان.

فعليه أن يحفظ القرآن وأن ينزه اسمه وسمعته عن كل سوء، وأن يكون له صوت واضح جهير ولهجة فصيحة ومخارج للحروف صحيحة، ولكن شروط الصوت الحسن التي كانت تطلب من المؤذن في صدر الدعوة المحمدية والمسلمون على ذكر من صوت بلال قد كانت أندر وأصعب مما اكتفي به بعد ذلك. وقد روى الشاعر الفارسي الأشهر مصلح الدين السعدي في كتابه بستان الورد غير نادرة واحدة تدل على آراء أبناء عصره فيما يرجع إلى اختيار المؤذنين وقراء آي الذكر الحكيم.

قال في بعض تلك النوادر: إن مؤذنًا في سنجار تعوَّد أن يؤدي الأذان أداءً صحيحًا ولكن بصوت كريه إلى كل من سمعوه، وكان صاحب المسجد أميرًا عادلًا لا يسيء في عمل من أعماله، فلم يشأ أن يجرح فؤاد المؤذن المسكين، وخاطبه على نحو يرضيه فقال له: يا سيدي. إن لهذا المسجد مؤذنين أقدمين يعطى كل منهم خمسة دنانير. فهل لك في عشرة دنانير تأخذها أنت على أن تترك لهم مهمة الأذان فيه؟ فقبل الرجل عرض الأمير وغادر المدينة إلى حيث شاءت له المقادير.

إلا أنه لم يلبث غير قليل حتى قفل إلى الأمير قائلًا: لقد ظلمتني يا مولاي إذ قد زينت لي أن أترك هذا المسجد من أجل عشرة دنانير. فإنهم قد عرضوا عليَّ عشرين دينارًا حيث كنت على أن أفارقهم فأبيتها … فابتسم الأمير وقال: لا يخدعوك إذن … فإني لأحسبهم معطيك خمسين دينارًا أو يزيد على ذلك إذا أصررت على البقاء هناك!

وفي الكتاب نادرة أخرى لا تقل عن هذه في طرافتها، يزيدنا فهمًا لها أن نذكر أن الأسلوب العربي المأثور في تلاوة القرآن يكاد يعلو على كل أسلوب معروف في التلاوات الدينية. وخلاصة النادرة أن قارئًا من حفاظ الكتاب كان يجوِّد الآيات بصوت غير جيد.

83