صفحة:ذو النورين عثمان بن عفان (المكتبة العصرية).pdf/23

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.

العصفور في فضائه، والحيوان الآبد 1 في صحرائه، طلاقة المادة حيث لا حواجز ولا سدود ..

وأما الحكومات التي قامت في الجزيرة العربية، على نحو من نظام الملك والإمارة، فقد كانت شريعتها — على خلاف المظنون — طغيانًا مطلقًا من جميع القيود، وكان بعض ملوكها يتخذ من أهوائه ونزواته شعائر يدين بها الناس في مسائل الحياة والموت، فكان المنذر بن ماء السماء يجعل له يوم نعيم ويوم بؤس، ويقتل كل من يسوقه إليه الحَيْن 2 في يوم ولو كان عابر طريق، وكان يسكر ويأمر بالقتل فينفذ لساعته، ولا يدرى بعد إفاقته فيم كان هذا العقاب إن صح أن يُسمَّى بالعقاب، وحدث أن حجر بن الحارث فرض على بني أسد إتاوة 3 ثقيلة؛ فتمردوا عليها فاستباح أحياءهم، واعتقل رؤساءهم، وأقسم ليقتلنهم بالعصا؛ هوانًا 4 بهم عنده أن يقتلهم بالسيف أو السلاح، فسُمُّوا من أجل ذلك بعبيد العصا، وقال شاعرهم عبيد بن الأبرص يستشفع فيهم:

ومنعتهم نجدًا فقد
حلوا على وجل 5 تهامه
إما تركت تركت عفـ
ـوًا أو قتلت فلا ملامه
أنت المملك فوقهم
وهم العبيد إلى القيامه

وكان عمرو بن هند يكلم الناس من وراء ستور 6، وكانوا يضربون المثل بكليب وائل في عزته، فيقولون عن العزيز البالغ في العزة: «إنه أعز من كليب وائل» .. لأنه كان يحمي الكلأ 7 فلا يقرب حماه، ويمر بالمكان يعجبه فيرمى عنده بكليب 8 وينادى بين القوم: إنه حيث بلغ عواؤه كان حمى لا يرعى .. وكانوا يقولون: «لا حر بوادي عوف»؛ لأنه كان من عزته يقهر كل من حل بواديه، فكلهم عنده كالعبيد ..

وأقبح من ذلك ما رُوِي عن عمليق ملك طسم وجديس، فإنه كان يأمر ألا تزف الفتاة إلى بعلها 9 قبل أن تزف إليه، وفي ذلك


  1. الآبد: مفرد أوابد، والأوابد: الوحوش
  2. الحين : الهلاك
  3. الإتاوة: الخراج
  4. هوانا : أي استخفافا بهم
  5. الوجل : الخوف
  6. جمع ستر
  7. العشب رطبا أو يابسا
  8. کلب صغير
  9. البعل:الزوج
٢٥