في الإبداع بأكثر من أنها وسعت ذلك المسافر الطويل وحملت على عاتقها هذا العبء الثقيل دون أن تضيق ذرعًا بامتداده العظيم ولا أن تتأثر لحمل جسمه الجسيم وما استوى على متنها القطار حتى أخذت تمخَر العُباب وتشق بجيزومها جوانب الحباب فاختلط الحابل بالنابل واشتبه علينا المحمول بالحامل وسرت الجارية وقد ألهب أحشاءها من النار السعير وإن أعيى قدميها من الماء الزمهرير حتى إذا وصلت إلى الشاطئ الآخر ووقفت منه موقفها من الأول ألقت رحلها ووضعت حملها فأعملت يد سائق القطار مفتاحه فسار الهويناء يسل ثيابه من ثيابها. ولقد كنا من ساعة امتطى القطار متن الجارية بنت البخار نرسل النظرات تلو النظرات فنستطلع في مرآة الماء ما كنا نقرأه في صحيفة السماء فكان من فوقنا نجوم غرَّاء ومن تحتنا كواكب زهراء.
وما أجمل القمر وهو بين هاتيك الكواكب كأنه القائد الحاذق تحف به الأجناد يلحظ بعينيه النجلاوين كل مكان ويرمقه شغفاً به كل إنسان فما كان أجلى الطبيعة وأجملها في مجاليها البديعة وما كان أحرى المشاهدين لكل هذه المناظر الباهرة بالاندهاش وأجدرهم بالعجب والاستغراب ولا سيما الذين لم يجتلوها غير هذه المرة فكان تعجبهم منها أكثر واستغرابهم لها أشدَّ وأكبر ومنهم رفيقي الذي ما كنت أنظر إلى وجهه إلا قرأت فيه آيات الدهشة ورأيت عليه سمات الإعجاب.