وهو (محمد أحمد بك) وبعد ذلك سألنا عما إذا كانت هذه أول سياحة لنا في بلاد البوسنة؟ وهل نحن متوجهون بعد إلى «مسطار» عاصمة الهرسك؟ ... وإنما عُني بهذين السؤالين وخصوصاً الأخير منهما لواقعة حال لا نرى بأساً من ذكرها وهي أنه موجود في «مسطار» كما هو موجود في غيرها مدارس للرهبان ويدرسون فيها علومهم ويبثون عقائدهم وفضلاً عن ذلك فهم يدعون إلى النصرانية من يقع تحت أيديهم من المسلمين وقد وقع أن تديَّن بدينهم ثنتان من النساء المسلمات واستدعى ذلك أن دب الهرج والمرج في جماعة المسلمين هنالك وبلغ منهم الغيظ والتذَمُّر مبلغاً عظيماً ولكنهم رأوا من العقل والأناة أن يرفعوا شكواهم إلى جلالة إمبراطور النمسا الذي لم يرَ أن يهدئ نفوسهم ويسكن ثائرتهم إلا بالسكوت عنهم وأن يغلق في وجه تلك الفتنة هذا الباب. فلم يجبهم على شكايتهم بجواب. فحسب ذلك الرجل أننا جئنا من تركيا بهذا الصدد ولذلك كان يدأب بسعيه على كشف الحقيقة ويتبحثنا بما لا يقل عن سعي المخبرين ولا أظنه إلا كذلك. ولما لم تكن (مسطار) مما عولنا على ارتياده في خطتنا الثانية أخبرناه بعدم ذهابنا إليها واكتفائنا من هذه السياحة بزيارة بلاد البوسنة. فبرقت أسارير الرجل وظهرت على جبينه علائم الفرح والسرور. وأخذ يحيينا كما يحيي رب البيت أضيافه وطفق يشرح لنا مزايا السياحات وما يعترض المسافر من التعب والراحة وما في بعض البلدان الأوروبية من غرائب التحف وعجائب الطرف. فقلت له: أرح نفسك. فبما أزل لنا المغفور له والدنا من النعمة تطوَّفنا بلاد أوروبا وجلناها شرقًا لغرب وجبناها شمالاً لجنوب ووقفنا على ما فيها وعرفنا ما بين دفتيها. وكان حديثنا باللغة الألمانية. وكنت ألاحظ أن بين جوانح الرجل دعة وفي معاملته لطفاً وأدباً.
ركوب قطار البوسنة إلى سراجيفو
ولما أزف الترحل ودعنا الرجل وودعناه وركبنا القطار حيث وافانا القومساري وذهب بنا إلى المحل المعدِّ لنا. وإني مبين للقارئ كيفية عربات النوم