صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/3

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
بسم الله الرحمن الرحيم

سبحانك اللهم أبدعت هذا العالم على أجمل صنع وأكمل نظام، وأودعت مشاهده من سر وجودك ما عرفك به جميع الأنام، فما من شيء إلا يسبح بحمدك وينزهك عن موارد الخيالات ومخاطر الأوهام، وجعلت في كل جوهر وعرض من بارع المبتدع ورائع المخترع ما لا يُحصى من الآيات على وجوب وحدتك، وما لا يُستقصى من البرهانات على تخصيص التأثير بقدرتك، فلك الحمد ومنك التوفيق إليه، ولك الشكر وبك الاستعانة عليه، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي ناضد للحق وجاهر، وجاهد في الله وهاجر، وأوضح الطريق القويم، وهدى الصراط المستقيم، وعلى آله وصحابته ومن درج على طريقه وسنته.

(وبعد)، فكثيرًا ما ارتحلتُ إلى البلاد الأوروبية وجبت أقطارها، وزرت عواصمها وشارفت مدائنها، حتى أدركني السأم من معاودتها، والملل من الترداد عليها، والاختلاف إليها، ولما لم يكن لي بدٌّ من السياحة لترويح النفس وتبديل الهواء واستطلاع ما تحويه جوانح البلدان من مجالي الطبيعة ومناظرها، ومجانيها البديعة ومخابرها، والوقوف على أخلاق الناس المتبايني العناصر والعوائد، والمتفاوتي المشارب والعقائد، وكنت أجد من نفسي جنوحًا عظيمًا وميلًا أكيدًا إلى زيارة الأقطار الشرقية، فرأيت أن أتمم رحلتي في عام ١٩٠٠ بما يبلغ بعض ذلك المأرب، ويحقق إن شاء الله من تلك الأمنية، ولقد كان وصل إليَّ من قبل أن بلاد البوسنة والهرسك قد أصابها قسط من الحضارة العصرية، وأن قد أنشئت فيها السكك الحديدية، وأقيمت في مدائنها الفنادق والمطاعم وغير ذلك مما يجد المسافر معه وسائل الراحة ووسائط الرفاغة ما ربما لم يجده في كثير من البلاد الشرقية، بَيْدَ أنها مع ذلك لا تزال ناقصة أمورًا كثيرة مما نشاهده في بلادنا وفي غيرها، فإن من قصد إلى الموازنة بين فنادق تلك البلاد وغيرها من المدن المتحضرة تجلى له الفرق محسوسًا سواء كان