صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/4

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
– ٤ –

في ضخامة البناء أو وثارة الأثاث أو وفرة المعدات أو غضارة المشاهد ونضارة المناظر والمعاهد، كما أنه لو عمد عامد إلى المقايسة بين الخطوط الحديدية في تلك الأصقاع وبينها في مصر مثلًا لوجد أنها لم تبلغ في تلك ما بلغته في هذه من تمام الاستعداد وكمال النظام؛ إذ ينقصها ما هو في السكك الحديدية اليوم أشبه شيء بالضروريات كالعربات الخصيصة بالنوم والمعدَّة للأكل، وقد نجد مثل هذا الفرق في المطعومات أيضًا، وإذا كان ذلك في أهم ما يعتني بشأنه عادة فلان يكون في غيره أولى، ولكني بالرغم عن كل ما ذُكر، بل وعن كل ما عساه أن يعترضني من المتاعب ويعروني من المشاق، كنت أشعر دائمًا بزيادة الميل ومضاعفة الرغبة إلى ما أزمعت الرحلة إليه من تلك البلاد، حتى إن صادف أني كنت وجناب السير «رنل رود» نائب جناب «اللورد كرومر» المندوب البريطاني في مصر على ظهر اليخت «اسبرن» وتجاذبنا أطراف الحديث فيما يختص برحلتي إلى تلك البلاد «بلاد البوسنة والهرسك»، وكاشفته بميلي إلى ذلك، فما هو إلا أن شرح لي من محاسن هذا السفر وفوائده ما استخلف الميل بالعزم واستبدل التردد باليقين والجزم. وقد زاد ذلك تعضيدًا أني كنت كلما تحدثت مع أحد في هذا الشأن أجده مرتاحًا إليه باعثًا بالمشورة عليه، وإنما قصدت أولا إلى بلاد البوسنة والهرسك دون غيرها من سائر البلاد الشرقية لأجد منها عونًا على اجتياز البلاد الأخرى التي هي أدنى منها حضارة وأقل مدنية، بل وأقشف منها إهابًا وأخشن جلبابًا، ولكي تكون أول سُلَّم أتدرَّج به إلى ما قصدت له واعتزمت عليه.

هذا ومما أذكره مقرونًا بالأسف أني كنت قبل هذه العزيمة كلفًا بزيارة بلاد المغرب من نحو الجزائر وتونس وإسبانيا، وخصوصًا أن الموسيو «كوجردان» الذي كان معتمدًا سياسيًّا لفرانسا في مصر قد كان طلب إليَّ أن أتطوف بهاتيك الجهات، أراد أن يكون ذلك بصفة رسمية؛ حيث التمس ذلك من حكومته التي أجابته إلى طلبته، غير أنه عرض لي إذ ذاك من الموانع ما استدعى تأجيل هذه السياحة إلى فرصة أخرى إن شاء الله، وأذكر من تلك الموانع أن الرعايا المسلمين في تلك البلاد كانوا وقتئذٍ مُهتاجين على حكومتهم، ولو أني وجدت فيما بينهم وهم يعرفون أني أمير مسلم