صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/9

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ٩ –

ومما أذكره أنه لما حان وقت الظهر ونحن في أثناء الطريق جاء إلينا الخادم المخصوص بعربة الأكل ليسألنا عما نحتاج إليه، ولعلمي من العادة هنالك أن السياح يذهبون إلى الطعام على دفعتين أوفدتُ خدمي في الدفعة الأولى التي كانت توافق الظهر تمامًا، أما أنا وصاحبي فانتظرنا أمد الثانية التي تكون الساعة الواحدة والربع بعد الظهر.

في غرفة الطعام

حتى إذا ما جاء ذلك الوقت سارعنا إلى عربة الأكل، ولم يكن فيها إذ ذاك إلا سيدة ومعها ابنتاها، ويظهر عليهن أنهن من البيوتات الكريمة والأسر الخطيرة في بلاد المجر لما على وجوههن من مسحة الشرف وسيماء الإمارة، وما كدنا نسكن إلى مجالسنا حتى وافانا الخادم الذي ظن أننا فرنساويون حينما سمعنا نتكلم باللغة الفرنساوية، فأوعزنا إليه أن يأتينا «بشوربة» فأمهلنا زهاء نصف ساعة كان في غضونها يغدو ويروح بغاية السرعة؛ لأنه على ما كان يظهر لي هو القائم وحده بحاجات المسافرين؛ ولذلك كان يتصبب عرقه ويتقاطر على وجهه فيضطر إلى تجفيفه بغلالته حتى اشمأزت نفوسنا من هذا المنظر، على أن «الشوربة» التي أحضرها بعد لم تكن بالسائغة، وقد أردفها بسمك كان كذلك غير مقبول، فتنحينا عنهما — لا بطرًا — وطلبنا خبزًا بغير إدام عسانا أن ندفع به الخلة ونسد به الرمق، وفيما أنا أتَلفَّتُ إذ وقع نظري على خادم آخر وادع في مكانه لا عمل له إلا فتح الزجاجات، وأظنه حبس نفسه ووقف شغله على هذا العمل ليفلت من عناء الخدمة التي يكابدها رصيفه. وبعد هنيهة لمحت على الكونتيسة علائم الرغبة في أن تنفرد هي وكريمتاها إلى طاولة على حدة، وحينذاك أوعزت إلى صديقي أن يدعوهنَّ إلى «ترابيزتنا» حتى نتنحى عنها إلى غيرها، غير أن هذا الرأي لم يصادف عنده الذي كنت أرجوه منه ولم يبلغ من نفسه ما بلغ من نفسي، فاعتذر إليَّ بأن حاجتنا ونحن مسافرون داعية إلى الاحتفاظ بهذه «الترابيزة» في سفر لا يقل طول مسافته منذ هذه المشورة إلى منتهاه