صفحة:رسالة ابن فضلان في وصف الرحلة إلى بلاد الترك والخزر والروس والصقالبة سنة 309هـ 921م (ت. سامي الدهان) - أحمد بن فضلان.pdf/40

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
٣٩
مقدمة المحقق - مؤلفهـا

وماهي ثقافته الأدبية والدينية، وماذا خلف من كتب غير هذه الرسالة ؟ . إنَّنا انتهينا في تحليلها قبل قليل إلى أن الرجل كان على ثقافة دينية وأدب رفيع، وأسلوب جميل، وورع وخلق وحبّ لنشر الاسلام وصدق في الحديث، وعفّة في المال، ولكننا رأينا عنده سذاجة، لعلها راجعة إما إلى سنّه المتقدمة أو إلى حالته الخاصة.

أما السنّ فقد لاحظنا أنه تحمَّل هذه الأسفار فخاض الأنهار وسكن قرب الثلوج وركب الجمال والسفن وعبر البوادي والصحاري والقفار والغابات وسار سيراً حثيثاً بأشد ما يكون في الجبال والوديان، وغامر مغامرة الشباب وخاطر بحياته فرأى الموت بعينيه . فهل كان في حال جسمية تحتمل مثل هذا العذاب في الرحلة أم كان في سنّ قريبة من الشباب ؟ ومهما يكن من أمر، فالذي ساقه من حكايات كان راجعاً إلى عقليته التي تقبل هذا الخيال، فقد نظر إلى السماء في بلاد البلغار ، فإذا بالجو يحمر وإذا بأصوات شديدة وهمهمة عالية ، وإذا بأشباح تحمل السيوف والرماح على قطعة أخرى فيها أشباح تحمل السيوف والرماح وفي كل منها رجال ودواب وسلاح، كما تحمل الكتيبة على الكتيبة . ففزع من ذلك وأقبل على التضرع والدعاء. والقوم يضحكون منه ومن زملائه ويتعجبون . فإذا سأل عن ذلك زعموا له أن هذا الفعل من مؤمني الجن وكفارهم يقتتلون في كلّ عشية.

و كذلك وصفه لرجل من قوم يأجوج ومأجوج. قصّ الملك عليه قصته، له رأس أكبر من القدور الكبيرة، وأنف أكثر من شبر، وعينان عظيمتان. فروى ابن فضلان الخبر، ثم زاد عليه بأن الله يُخرج للقوم كلّ يوم سمكة من