صفحة:صفحة جديدة من تاريخ الثورة الدرزية 1834 - 1838.pdf/2

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
٤٧٦
أسد رستم

وجـده إبراهيم، وجده الأكبر محمد علي باشا. فإني أذكر بوضوح تام إني لما زرت مصر، عام ١٩٢٥، لتمثيل جامعة بيروت الأميركية في المؤتمر الدولي الجغرافي، صعدت إلى القلعة لتفقد أحوال الدفترخانة المصرية - فوجدت أوراقها وسجلاتها مكدسة بعضها فوق بعض في أكياسٍ من «الجنفيص» لا يؤمها سوى الجراذين والثعابين. وقد أكد لي أحد ضباط القلعة من الإنكليز، الذي قادني إلى هذه الغرفة المهجورة، أنه لما دخلها قبل زيارتي بيومين أو ثلاثة مع أحد المستشرقين، لاحظ حركة مريبة في أحد أكياس الأوراق. فأمر بفتحه وما أن فتح هذا الكيس حتى انسل منه ثعبان طويل كان قد سئم المطالعة والتفتيش، لما عاناه من المشقة للوصول إلى ضالته، ولما اعترضه من الغبار المتراكم زهاء نصف قرن من الزمن.

وكان قد قيَّض الله لمصر أن ولي الأحكام فيها فؤاد الأول فأمر بجمع هذه الأوراق وتنظيفها وتنسيقها؛ ثم نقلها إلى سراي عابدين وأنشأ لها دائرة تختص بها. وهكذا فإني لما عدت بعد عشر سنوات إلى هذه الأوراق نفسها لدرس أخبار الحملة المصرية على الأقطار الشامية، في عهد محمد علي باشا، وجدتها مرتبة أحسن ترتيب، سهلة المنال. وقد قام من أبناء مصر، برعاية المليك الراحل ونشيطها عدد من الموظفين «الساكتين» لدرس محتويات هذه الأوراق وتنظيمها، ومن الوصول إليها، أخص بالذكر منهم يوسف جلاد بك، وجورج جندي أفندي، وجورج سمعان أفندي، ومحمد علي عوني أفندي، وغيرهم ممن يشتغل بهدوء لا يحدث ضجيجاً لما يقوم به من الأعمال، دأبه التنسيق والترتيب ودرس المحتويات وتسهيل أعمال الباحثين من طلاب التاريخ. هـذا وإني أعلم العلم اليقين أنه لو أطلعت أحد هؤلاء العاملين الأمناء على ما أدونه الآن لاعترضوا عليه وألحوا في عدم الإشارة إليه، لما طبعوا عليه من التواضع وحسن الأخلاق والانصراف إلى العمل الجدي. كثر الله من أمثالهم بين موظفي حكومات الشرق العربي جمعاء!

وجدت في سراي عابدين أكثر من خمسة عشر ألف وثيقة ترجع إلى عهد