صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/20

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

وعلى ما كان بينه وبين معاوية وجنوده من اللدد في العداء لم يكن ينازلهم، ولا يأخذ من ثاراته وثارات أصحابه عندهم إلا بمقدار ما استحقوه في موقف الساعة: فاتفق في يوم صفين أن خرج من أصحاب معاوية رجل يسمى كريز بن الصباح الحميري، فصاح بين الصفين: من يبارز؟ … فخرج إليه رجل من أصحاب علي فقتله ووقف عليه ونادى: من يبارز؟ فخرج إليه آخر فقتله وألقاه على الأول، ثم نادى: من يبارز؟ … فخرج إليه الثالث فصنع به صنيعه بصاحبه، ثم نادى رابعة: من يبارز؟ … فأحجم الناس ورجع من كان في الصف الأول إلى الصف الذي يليه، وخاف علي أن يشيع الرعب بين صفوفه، فخرج إلى ذلك الرجل المدل بشجاعته وبأسه فصرعه، ثم نادى نداءه حتى أتم ثلاثة صنع بهم صنيعه بأصحابه، ثم قال مسمعًا الصفوف: يا أيها الناس، إن الله — عز وجل — يقول: الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ، ولو لم تبدءونا ما بدأناكم … ثم رجع إلى مكانه.

ما مروءته في هذا الباب فكانت أندر بين ذوي المروءة من شجاعته بين الشجعان، فأبى على جنده وهم ناقمون أن يقتلوا مدبرًا أو يجهزوا على جريح أو يكشفوا سترًا أو يأخذوا مالًا، وصلى في وقعة الجمل على القتلى من أصحابه ومن أعدائه على السواء، وظفر بعبد الله بن الزبير ومروان بن الحكم وسعيد بن العاص، وهم ألد أعدائه المؤلبين عليه فعفا عنهم ولم يتعقبهم بسوء، وظفر بعمرو بن العاص وهو أخطر عليه من جيشٍ ذي عدة، فأعرض عنه وتركه ينجو بحياته حين كشف عن