صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/21

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

سوأته اتقاءً لضربته … وحال جند معاوية بينه وبين الماء في معركة صفين، وهم يقولون له: ولا قطرة حتى تموت عطشًا … فلما حمل عليهم وأجلاهم عنه سوَّغ لهم أن يشربوا منه كما يشرب جنده، وزار السيدة عائشة بعد وقعة الجمل، فصاحت به صفية أم طلحة الطلحات: أيتم الله منك أولادك كما أيتمت أولادي، فلم يرد عليها شيئًا، ثم خرج فأعادت عليه ما استقبلته به فسكت ولم يرد عليها، قال رجل أغضبه مقالها: يا أمير المؤمنين، أتسكت عن هذه المرأة وهي تقول ما تسمع؟ … فانتهره وهو يقول: ويحك؟ … إنا أمرنا أن نكف عن النساء وهم مشركات أفلا نكف عنهن وهن مسلمات؟ … وإنه لفي طريقه إذ أخبره بعض أتباعه عن رجلين ينالان من عائشة، فأمر بجلدهما مائة جلدة، ثم ودع السيدة عائشة أكرم وداع وسار في ركابها أميالًا، وأرسل معها من يخدمها ويحف بها، قيل: إنه أرسل معها عشرين امرأة من نساء عبد القيس عممهن بالعمائم، وقلَّدهن السيوف … فلما كانت ببعض الطريق ذكرته بما لا يجوز أن يذكر به وتأففت وقالت: هتك ستري برجاله وجنده الذين وكلهم بي … فلما وصلت إلى المدينة ألقى النساء عمائمهن وقلن لها: إنما نحن نسوة.

وكانت هذه المروءة سنته مع خصومه، من استحق منهم الكرامة ومن لم يستحقها، ومن كان في حرمة عائشة — رضي الله عنها — ومن لم تكن له قط حرمة، وهي أندر مروءة عرفت من مقاتل في وغر القتال …