صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/28

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

حتى يعلن له طويته، ويقول له: «أنا دون ما تقول وفوق ما في نفسك.»

•••

وكانت قلة التكلف هذه توافق منه خليقته الكبرى من الشجاعة والبأس والامتلاء بالثقة والمنعة، وكانت تسلك معه مسلك الحقيقة والمجاز على السواء، كأنه يعني ما يصنع وهو لا يعنيه، وإنما يجيء منه على البديهة كما تجيء الأشياء من معادنها: كان مثلًا يخرج إلى مبارزيه حاسر الرأس ومبارزوه مقنعون بالحديد، أفعجيبٌ منه أن يخرج إليهم حاسر النفس وهم مقنعون بالحيلة والرياء؟ … وكان يغفل الخضاب أحيانًا ويرسل الشيب ناصعًا، وهو لا يحرم خضابه في غير ذلك من الأحيان، أفعجيبٌ منه — مع هذا — أن يقل اكتراثه لكل خضاب ساترًا ما ستر، أو كاشفًا ما كشف، من رأيٍ وخليقة؟

بل كانت قلة التكلف هذه توافق منه خليقة أخرى كالشجاعة في قوتها ورسوخها … أو هي قريبة للشجاعة في نفس الفارس النبيل وقلما تفارقها، ونعني بها خليقة الصدق الصراح الذي يجترئ به الرجل على الضر والبلاء، كما يجترئ به على المنفعة والنعماء، فما استطاع أحدٌ قط أن يحصي عليه كلمة خالف فيها الحق الصراح في سلمه وحربه، وبين صحبه أو بين أعدائه، ولعله كان أحوج إلى المصانعة بين النصراء