صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/30

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

حموضته وكسر يابسة، فقلت: يا أمير المؤمنين، أتأكل مثل هذا؟ فقال لي: يا أبا الجنوب، كان رسول الله يأكل أيبس من هذا ويلبس أخشن من هذا — وأشار إلى ثيابه — فإن لم آخذ بما أخذ به خفت ألا ألحق به» …

وعلى هذا الزهد الشديد كان علي — رضي الله عنه — أبعد الناس من كزازة طبع وضيق حظيرة وجفاء عشيرة، بل كانت فيه سماحة يتبسط فيها حتى يقال دعابة، وروي عن عمر بن الخطاب — رضي الله عنه — أنه قال له: «لله أبوك لولا دعابة فيك.» وأنه قال لمن سألوه في الاستخلاف: «ما أظن إلا أن يلي أحد هذين الرجلين: علي أو عثمان، فإن ولي عثمان فرجلٌ فيه لين، وإن ولي علي ففيه دعابة، وأحر به أن يحملهم على الطريق.»

•••

وأغرق ابن العاص في وصف الدعابة فسماها «دعابة شديدة»، وطفق يرددها بين أهل الشام ليقدح بها في صلاح الإمام للخلافة، وإنما نقول: إن ابن العاص أغرق في هذا الوصف، وإن الدعابة المعيبة لم تكن قط من صفاته؛ لأن تاريخ عليٍّ وأقواله ونوادره مع صحبه وأعدائه محفوظة لدينا، لا نرى فيها دليلًا على خلق الدعابة فضلًا عن الدليل على الإفراط فيه … فإن كان لهذا الوصف أثر أجاز لعمر بن الخطاب أن يذكره، فربما كان مرجع ذلك أن عليًّا خلا من الشغل الشاغل سنين عدة، فأعفاه