صفحة:عبقرية عمر (المكتبة العصرية).pdf/12

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
-۱٤ -
 

الموضوع وفي عدد الصفحات.

إنما حسبت هذا البأس من مطابقاته وموافقاته، ومن وضع الشيء في موضعه على نحو من الأنحاء، ولم أعدده من حرج التأليف، كما عددته من مهيئات جوِّه، ولا سيما حين ألفيتني أدرس آثار الحركة المهدية، وأتقلب بين مشاهدها وميادينها، وأستخرجُ العبرةَ من القتال بين الراجلين والفيلة في مواقع فارس، ومن القتال بين الراجلين١ والسفن المسلحة في مواقع الخرطوم وأم درمان، فهذه عقيدة وتلك عقيدة، ولكن العقيدة التي ظفرت كان معها حليف٢ من الغد المأمول، ولم تكنِ العقيدةُ التي فشلت على وفاق مع الغدِ ولا مع الأملِ.

***

ولكنَّ الحرجَ كل الحرج في التأليف، إنما كان في محاسبة عمر بن الخطاب، أوليس الحرج في الحساب أيضًا من العمريات المأثورات؟!

فالناسُ قد تعودوا ممن يسمونهم بالكُتَّاب المنصفين أن يحبذوا٣ وينقدوا، وأن يقرنوا بين الثناء والملام، وأن يسترسلوا٤ في الحسنات بقدر ليتقلبوا من كلِّ حسنةٍ إلى عيبٍ يكافئها٥، ويشفعوا كل فضيلة بنقيصة تعادلها، فإن لم يفعلوا ذلك فهم إذن مظنة المغالاة والإعجاب المتحيز، وهم أقَلُّ إذن من الكُتَّابِ المنصفين الذين يمدحون ويقدحون، ولا يعجبون إلا وهم متحفزون لملام.

عرض لي هذا الخاطر، فذكرت قصة العاهل٦ الذي تحاكم إلى قاضيه مع بعض السوقة٧ في عقار، يختلفان على ملكه، فحكم القاضي للسوقة بغير العدل ليغنم سمعة العدل في محاسبة الملوك، وعزله العاهل؛ لأنه ظلم وهو يبتغي الرياء بظلمه، فكان أعدل عادل حين بدا كأنه يحرص على مالٍ مغصوبٍ ويجور على تابع جسور٨؛ لأنه أنصف وهو مستهدف لتهمة الظلم، وقاضيه قد ظلم وهو يتراءى بالإنصاف.

قلت لنفسي: إن كنت قد أفدت شيئًا من مصاحبة عمر بن الخطاب في سيرته وأخباره، فلا يحرجنك أن تزكي عملًا له كلما رأيته أهلًا للتزكية،


  1. المشاة
  2. أي معاهد
  3. بمعني يشجعوا
  4. استرسل :أي قال
  5. يدافعها
  6. الملك الاعظم کالخليفة
  7. الرعية
  8. الجسور : المقدام