صفحة:عبقرية عمر (المكتبة العصرية).pdf/130

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.

–۱۳۲–

أو يصنع فيه ما هو عصري في ذلك الزمان.. فمما لا مراء١ فيه أنه يخالف عمله في زماننا، ولا يخالف عمله في زمانه الذي نشأ فيه، ولا ملامة عليه فيما خالف وفيما وافق. بل اللوم علينا نحن إذ ننتظر ما لا ينتظر ونقيس على غير قياس.

والى جانب هذا كله ينبغي أن نذكر ولا تنسى أن عصرنا ليس بخير العصور !.. وانا لو ملكنا تبديله في كثير من الامور لبدلناه، واننا لا تنفق على استحسان الحسن ولا استقباح القبيح فيه، وان الفارق الأكبر بينه وبين العصور الأخرى انما هو فرق الألفة والاستغراب، فصرنا مألوف لنا وسائر العصور مستغربة في أنظارنا، وكثيرا مایکون الاستغراب عرضيا سخيفا متعلقا بالمظاهر والأزياء دون الجواهر وحقائق الأشياء..

أذكر من الصور التي رأيتها في الصحف الأوربية - ولا أنساها - صورة جامعة لبعض المشهورين والمشهورات في أزياء عصرنا وأزياء العصور السابقة على اختلافها، عرضتها الصحيفة وأحسبها كتبت تحتها : هل تعرف هؤلاء لو مروا بك في الطريق؟..

فاذا تأملت الصورة رأيت فيها يوليوس قيصر في القبعة الطويلة وكسوة السهرة السوداء، ورأيت كليوباترة في زي الباريسية العصرية، ثم رأيت أميرا من أمراء هذا الزمن وحكيما من حكمائه على نمط٢ التماثيل التي حفظت لقياصرة الرومان وحكماء اليونان. فاذا بك تستغرب ما تألف وتألف ما تستغرب وكأنك على استعداد أن تحادث يوليوس قيصر حديثك للرجل الذي يفهمك وتفهمه من الكلمة الأولى وعلى حذر أن تقارب الرجل الذي مثلته لك الصورة في زي الأقدمين المخالفين لك في العقيدة والشارة والذوق ونمط التفكير والنظر إلى الأشياء..

هذه صورة نشرت يومئذ للتسلية والفكاهة، ولكنها خليقة أن تعلمنا


  1. لا مراء فيه : أي لا ريب فيه
  2. أي نظام وطريقة.