صفحة:عبقرية عمر (المكتبة العصرية).pdf/26

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

–٢٨–

ما تفوهت بذلك، وإنما حدثت به نفسي. ثم أنشد أبياتًا ختمها بقوله:

فالحمدُ لله لا شريكَ له
في حكمه كان ذا وفي قدره
قدَّر موتًا على العباد فما
يقدر خلق يزيد في عمره

فبكى عمر حتى بَلَّ لحيته، ثم قال: صدقت يا أعرابيُّ.

وكان عميرُ بن وهب الجمحي وصفوانُ بن أمية يذكران مصاب أهل بدر، فقال صفوان: والله ما إنَّ في العيش بعدهم خير. فوافقه عميرُ، وهو يقول كالمعتذر من تخلفه عن الثأر: أما والله لولا دَيْنٌ علَيَّ ليس له عندي قضاءٌ، وعيالٌ أخشى عليهم الضيعةَ بعدي؛ لركبت إلى محمدٍ حتى أقتله.

فقال صفوانُ يحرِّضه: علَيَّ دَيْنُكَ، أنا أقضيه عنك، وعيالُك مع عيالي أواسيهم ما بقوا، ولا يسعني شيء ويعجز عنهم.

فوقع كلامُهُ من نفس عمير، فأسر إليه بعزمه على الغدر بالنبي، وشحذ سيفه وسمَّهُ، ثم انطلق حتى قدمَ المدينة.

فما نظر إليه متوشحًا بالسيف حتى أوجس منه، وهمس لمن معه: هذا الكلبُ عدوُّ الله عميرُ بنُ وهب، ما جاء إلا لشرٍّ، وهو الذي حرش بيننا وحزرنا٩ للقوم يوم بدر. ثم دخل على النبي فأخبره خبره، وعاد إلى عمير، فأخذ بحمالة سيفه في عنقه فلببه١٠ بها، وقال لرجال من الأنصار: ادخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجلسوا عنده، واحذروا عليه من هذا الخبيث؛ فإنه غير مأمون، ثم دخل به على رسول الله، فلما رآه وعمر آخذ بحمالة سيفه في عنقه قال: «أرسله يا عمر، ادنُ يا عمير.»

وجعل رسول الله يسأل عميرًا وهو يراوغ، حتى ضاقت به منافذ الإنكار فباح بِسرِّهِ، وأعلن الإسلامَ والتوبةَ.

هذه الفراسةُ وشبيهاتُها هي ضربٌ من استيحاء الغيب، واستنباطِ الأسرار بالنظر الثاقب. وما من عجبٍ أن تكون هذه الخصلة قرينة من قرائنِ العبقرية في حاشية من حواشيها؛ إذ ما هي العبقرية في لبابها كائنًا ما كان عمل المتصف بها؟ ما هي الحكمة العبقرية؟ ما هو الفنُّ العبقري؟ ما هو دهاء السياسة في الدُّهاة العبقريين؟ 1) أي الضياع . (۲) حده • (۳) أضمر في نفسه الخوف منه . (4) أغرى : (۹) التقدير والحرص : (6) المراد : جعلها نحره (۷) حاد عن السي؟ - (۸) النافذ - (۹) أي جانب من جوانبها