صفحة:عبقرية عمر (المكتبة العصرية).pdf/29

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.

صفاته

نحن على هذا أمام رجل لا كالرجال، رجل عبقري، أو رجل ممتاز من خاصة الخليقة الذين لا يعدون في الزمن الواحد بأكثر من الآحاد.

أنقول: رجل قوي؟.. نعم، هو رجلٌ قويٌّ لا مراءَ١ .. وكلُّ عظيم فهو قويٌّ بمعنى من معاني القوة. نعلم هذا، فنعلمُ الشيء المهم عنه، ولكننا بعد هذا لا نعلم شيئًا مهمًّا عن صفاته وأخلاقه. لأن الناسَ من حيث القوة أقوياء وضعفاء، أو متوسطون ومنحرفون، إلى هنا تارةً، وإلى هناك تارةً أخرى. أما من حيث الصفات والأخلاق، فهم ألوف وألوف، وهم في قوتهم أو ضعفهم أنماط٢ لا تحصى من المناقب٣ والعيوب، وأَحْرَى٤ بنا أن نقول: إنَّ القوةَ صفةٌ تستفاد من جملة مناقبِ الإنسان وعيوبِهِ، فهي حالة تدل عليها المناقب والعيوب، أو تدل عليها الصفات والأخلاق، وليست هي بالحالة التي تدلنا على مناقب الإنسان وعيوبه، وتهدينا بغير هادٍ إلى صفاته وأخلاقه. فإذا قلت: إنَّ عمرَ بنَ الخطاب رجل قويٌّ، فما زِدْتَ على أن تقول: إنه رجل عبقريٌّ، أو إنه رجل عظيم.

وكُلُّ رجلٍ من هذا القبيل، فمعرفته ليست بالأمر اليسير؛ لأنه نمطٌ لا يتكرر، فيسهل فهمه بالقياس إلى أمثاله الكثيرين. وقد يكون الرجل العظيم نمطًا وحيدًا في التاريخ كله، لا نظيرَ له في تفصيل أخلاقه وصفاته، وإن ساواه في القَدْرِ أنداد٥ وقرناء٦. وعمرُ بنُ الخطاب مَثَلٌ فَذٌّ من أمثلةِ هذا الطراز الفريد، تفهم سره؛ فإذا هو على وفاق مع جهره، وتنفذ إلى باطنه، فإذا هو مُصدِّقٌ للظاهر من سيماه..

فهل حللنا العقدة بهذا التقريب بين الظاهر والباطن، وبين الجهر

والسريرة؟.. كلا .. ولا تقدمنا بعيدًا في طريق حلها؛ لأننا لا نعرف


  1. المرية : الشك .
  2. أي أنواع وأصناف .
  3. المنقبة : المفخرة.
  4. أولى وأجدر
  5. والند : الممل والنظير.
  6. القرن : مثلك في السن وقرنك : كفؤك في الشجاعة ، والقرين : الصاحب .