صفحة:عبقرية عمر (المكتبة العصرية).pdf/36

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.

–٣٨–

ومر بقوم يتبعون رجلًا قد أخذ في ريبة١ فقال: لا مرحبًا بهذه الوجوه التي لا ترى إلا في الشر

وربما غضب على الوالي من كبار الولاة لغلوِّه٢ في تقاضي الحدود على المعاصي، كما فعل في إنذاره الشديد لأبي موسى الأشعري حين جلد شاربًا، وحلق شعره، وسوَّد وجهه، ونادى في الناس ألا يجالسوه ولا يؤاكلوه، فأعطى الشاكي مائتي درهم، وكتب إلى أبي موسى: «لئن عدت لأسودن وجهك، ولأطوفن بك في الناس»، وأمره أن يدعو المسلمين إلى مجالسته ومؤاكلته، وأن يمهله ليتوب، ويقبل شهادته إن تاب.

وتفقد رجلًا يعرفه فقيل له: إنه يتابع الشراب. فكتب إليه: «إني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ.» فلم يزل الرجل يردِّدها ويبكي حتى صحَّت توبته وأحسن النزع، وبلغت توبته عمر، فقال لمن حضروا مجلسه: «هكذا فاصنعوا .. إذا رأيتم أخًا لكم زَلَّ زلة فسددوه ووفقوه، وادعوا الله أن يتوب عليه، ولا تكونوا أعوانًا للشيطان عليه»

وقد تكرر منه إعفاء الزانيات من الحدِّ لشبهة القهر والعجز عن المقاومة، وتكرر منه الإعفاء لمثل هذا العذر في غير ذلك من الحدود.

فلم يكن عمر بالسريع المتعطش إلى إقامة الحدِّ، ولم يعرف عنه قط أنه أقام حدًّا وله مندوحة٣ عنه.

وفي قصة ولده منادح شتَّى ترضيه على شدة تحرجه وتحريه، ثم لا حاجة بمثله إلى رياء العدل، فيجور على ابنه، ويسرف في القسوة عليه، ليقال إنه سوَّى بينه وبين غيره.

وأصح من ذلك أن نأخذ برواية عبد الله بن عمر، وهو أحَقُّ الناس بالمبالغة في عدل أبيه لو كانت المبالغة مما يجمل بمثله، فقد روى هذه القصة فقال ما خلاصته: «أنَّ أخاه عبد الرحمن وأبا سروعة عتبة بن الحارث سكرا، فلما أصبحا انطلقا إلى عمرو بن العاص وهو أمير مصر، فقالا: طَهِّرنا فإنا قد سكرنا من شرابٍ شربناه!.. ولم أشعر أنهما أتيا عمرو بن


  1. الريبة : التهمة والشك ، والمراد : التهمة
  2. أي مغالاته
  3. سعة