صفحة:عبقرية عمر (المكتبة العصرية).pdf/41

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
–٤٣–

أخوك ما بكيت أبدًا. فصبر عمر، وتعزَّى عن أخيه وقال: ما عزَّاني أحد عنه بأحسن مما عزيتني..»

هذا هو عمر من وراء النقاب

فما كان أحوجه رضي الله عنه إلى ذلك النقاب، وما أقل الغرابة في ذلك النقاب من الشدة والهيبة، حين ينفذ الناظر إلى ما وراءه، فيرى مكان الحاجة إليه.

وقد يرحم الرجل أهل الرحم والقرابة، ويجفو غيرهم من الناس، ولكن الرحمة الأصيلة في الطباع تسوي في المودة ولا تفرق، وتخلق هي سبب الرحمة، ولا تنتظر حتى تفرضها عليها القرابة بأسبابها، فكان عمر — كما روى «الحسن» يذكر الصديق من أصدقائه بالليل فيقول: يا طولها من ليلة! فإذا صلى الغداة١ غدا إليه، فإذا لقيه التزمه أو اعتنقه.

وكان بكاء طفل يزعجه ويقطع عليه صلاته وينغص٢ عليه ليله.

قدمت رفقة٣ من التجار فنزلوا المصلى، فاقترح على عبد الرحمن بن عوف أن يذهبا ليحرساهم من السرق، ثم باتا يحرسان ويصليان، فسمع بكاء صبي، فتوجه نحوه وقال لأمه: اتقي الله، وأحسني إلى صبيك.ز ثم عاد إلى مكانه فسمع بكاءه فرجع إلى أمه كرة٤ أخرى، ثم سمع بكاءه آخر الليل فقال لأمه: ويحك!.. إني لأراك أم سوء .. ما لي أرى ابنك لا يقر٥ منذ الليلة؟.. قالت: يا عبد الله قد أبرمني٦ منذ الليلة إلى أربعة عن الفطام. فسألها: ولم؟.. فقالت: لأن عمر لا يفرض إلا للفطيم!.. فسألها: وكم له؟. فلما علم أنها فطمته دون سن الفطام أمر مناديًا فنادى: ألا تعجلوا صبيانكم عن الرضاع، فإنا نفرض لكل مولود في الإسلام.

وقصته مع الصبية الجياع مشهورة، ولكنها تعاد لأنها أحق قصة بأن تعاد.

قال أسلم: «خرجنا مع عمر — رضي الله عنه — إلى حرة واقم٧، حتى إذا كنا بصرار٨ إذا نار تؤرث،٩ فقال: يا أسلم إني أرى ها هنا ركبانًا قصر بهم


  1. أي اصبح .
  2. يكدر.
  3. أي جماعة
  4. أي مرة .
  5. أي لا يهدأ ولا يسكن .
  6. أي أملني وأضجرني.
  7. منطقة من نواحي المدينة
  8. مكان على مقربة من المدينة
  9. ايقاد النار