صفحة:عبقرية عمر (المكتبة العصرية).pdf/51

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
–٥٣–

ولا تغار، إنما هو آلة فقيرة في مادة الحياة.

أما الذي يجتنب التصرف في العدل غيرة على الضعيف، وقدرة على القوي، وعلمًا بالتبعة، واضطلاعًا بجرائرها، فذلك حي غني بالحياة، يعدل لفرط السليقة الإنسانية، والقدرة الحيوية، ولا يعدل لأنه آلة تشبه الميزان الذي لا حس فيه.

وشتان بين هذا وذاك، إنهما لنقيضان، وإن كانا في ظاهر الأمر شبيهين متقاربين.

والاعتماد على الأمثلة الخاصة، أولى بنا في هذا المعرض من الاعتماد على القواعد العامة والتقريرات النظرية.

فهذه أمثلة ثلاثة من أمثلة العدل الذي يبدو لأول وهلة، كأنه عدل الموازين الآلية حين تسوي بين الأوزان، وإن اختلفت القيم والأقدار، وتفصل في الأنصباء بغير نظر إلى فوارق الدنيا، ومقتضيات السياسة، وتبدل الأحوال، ونختارها من أجهر الأمثلة وأدناها إلى تأييد شبهات المستشرقين فيما زعموه من العقل المحدود؛ لنرى على قدر ضخامة هذه الأمثلة ضخامة الخطأ في استخراج ما تدل عليه.

كان عمرو بن العاص واليًا لمصر وكان ابنه يجري الخيل في ميدان السباق، فنازعه بعض المصريين السبق، واختلفا بينهما لمن يكون الفرس السابق، وغضب ابن الوالي فضرب المصري وهو يقول: أنا ابن الأكرمين! فاستدعى عُمَر الوالي وابنه حين رفع إليه المصري أمره، ونادى بالمصري في جمع من الناس أن يضرب خصمه قائلًا له: «اضرب ابن الأكرمين!»، ثم أمره أن يضرب الوالي؛ لأن ابنه لم يجرؤ على ضرب الناس إلا بسلطانه، وصاح بالوالي مغضبًا: «بم استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟» فما نجا من يده إلا برضًا من صاحب الشكوى واعتذار مقبول.

وكان خالد بن الوليد أشهر قادة الإسلام في زمانه، فأحصى عليه عمر بعض المآخذ، ومنها إنفاقه من بيت المال في غير ما يرضاه، فأمر به أن


(1) الجريرة : الذنب والجناية ، والمراد هنا : الاعباء . (۲) ارتفاع الصوت ، والمراد هنا : الوضوح