صفحة:عبقرية عمر (المكتبة العصرية).pdf/54

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

–٥٦–

بَثَنِيَّةً — أي حنطة — وعسلًا عزلني، وآثر بها غيري.» فما أتمها حتى نهض له رجل من السامعين فقال له: صبرًا أيها الأمير، فإنها الفتنة. فما تردد خالد أن قال: أما وابن الخطاب حيُّ فلا.

نعم، لا فتنةَ وابن الخطاب حيُّ، ولو كان الغاضب خالدًا الغضوب، ومن هنا حق له أن يشكو ولا جناح عليه.

وأطرف من هذا في هيبة عمر بين ولاته وقواده أنه كتب إلى أبي عبيدة يأمره أن يقاسم خالدًا ماله نصفين، فقاسمه جميع ماله حتى بقيت نعلاه، فقال أبو عبيدة: إنَّ هذا لا يصلح إلا بهذا، فأبى خالد أن يخالف أمر عمر، وأعطاه إحداهما وأخذ الأخرى.

لقد نظرنا إلى عمر مستقيمًا، ولم ننظر إلى الخطوب، ولو نظرنا إليها لرأينا أنها انثنت لتنقاد له، وتتقي مصادمته وتستقيم على منهاجه، فعلمنا لِمَ استقامَ دون أن يقدح ذلك في صدق نظره إلى الدنيا، وصدق فراسته في خلائق الناس.

وندع قضايا الولاة، وننظر في قضية الأمير الذي ارتد عن الإسلام هو وقومه؛ لأن عمرَ أجبره على قصاص المساواة بينه وبين رجل من السوقة. فماذا كان ينبغي أن يفعل عمر غير ما فعل من المساواة الصادقة بين الأمير الضاربِ وخصمه المضروب؟

لعل داهيةً من دُهاةِ السياسة الذين يصفونَ أنفسَهم بالنظر البعيد كان يؤثر إرضاء الأمير، واستبقاء أتباعه في الإسلام، والاحتيال على الشاكي بما يواسيه ويغنيه عن أن يسوِّي بين الخصمين، ويمكِّن لضعيف من ضرب أمير اعتدى عليه.

فهل معنى ذلك أنَّ عمرَ كان يعوزه دهاء أولئك الساسة، وما عندهم من بعد نظر مزعوم؟

كلا، بل معناه أنَّ أولئك السَّاسَةَ يعوزهم السخط على الظلم، والغيرة على الحق، واليقين بالقدرة، والإيمان بمناعة الإسلام أن يصيبه غضب أمير صابئ بما يضيره، ولو كثر أتباعه والصابئون في ركابه.


(۱) أي قام - (۲) اثم . (۳) أي يطعن : (4) اي عظماء • (5) أي يفتقر ويحتاج . (1) هو من ترك دينه إلى دين آخر