صفحة:عبقرية عمر (المكتبة العصرية).pdf/6

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
٧

كما تحدث عن نهج عمر في الاسلام، موضحا بالأمثلة رأيه في المظهر المخالف للمخبر، والعمل للدنيا، والتواكل، والاستكانة والتماوت، ونظافة الثوب وطيب الرائحة، والرمي، والعوم، والفروسية، والعدوى بالطاعون، والضرر والنفع بالنسبة للحجر الاسود وشجرة الرضوان.. ثم تحدث عن تقشفه، وطريقة معاملته للأميين، وحبه وكرمه، وأن كان في حبه وكرهه لا يظلم ولا يحابي وعلى العموم.. فقد دخل عمر الاسلام من كل أبوابه كالعاصفة، و كان اسلامه صفحة جديدة قد تفتحت في العالم الانساني واذا كانت العبقرية لا تخرج عن معنى التفرد، والسبق، والابتكار… فقد تجسدت كل هذه المعاني في عمر، وهو يؤسس الدولة الإسلامية، والتي ارتأي الكاتب أنه بدأ في تأسيسها من يوم أن بايع أبا بكر على الخلافة، بل من يوم أن شرح الله صدره للاسلام..

فافتتح بذلك تاريخا، واستهل حضارة، وأنشأ حكومة، ورتب لها دواریں، ونظم أصول القضاء والادارة، واتخذ لها بيت المال، ووصل بین أجزائها بالبريد، وحمى ثغورها بالجيوش، وكان أول واضع لدستور الشوری في الدولة الإسلامية، ووضع دستور الحرب لقواده، ولم يفته أن يضع لنفسه دستورا قوامه : « ان الحكم محنة للحاكم، ومحنه للمحتكرين » « وأنه لا يصلح الا بشدة لا جبرية فيها، ولين لا وهن فيه » ، « وان الخليفة مسئول أمام الله والناس عن جميع ولاته » « وان صلاح الأمر في ثلاث : أداء الأمانة. والاخد بالقوة، والحكم بما أنزل الله » « وصلاح المال في ثلاث : أن يؤخذ من حق، ويعطى في حق، ويمنع من باطل » ... ووضع دستور الولاية وكان قوامه : تمييز بالواجب والكفاءة، وليس تمييزا بالواجب والاستعلاء وبين الكاتب ما يمكن أن يقال في عزل الاكفاء من الولاة، واسلوب عمر في مراقبتهم..

وكان لعمر مذهب في الأخلاق الاجتماعية، يشبه مذهبه في الفضاء فكان يكره أن يكشف المرء من أخيه ما يستره عنه، وينهى أن تظن بكلمة شرا وأنت تجد لها في الخير محملا…

ووضع نظاما لتحصيل الجزية، وأسس ديوان الوقف الخيري، وعددا آخر من الدواوين، وكان له دور ملموس في التعمير، واصطلاع بنفریج الأزمات كما حدث في عام الرمادة… مما يمكن معه أن يقال : ان عمر اکبر مؤسس لدولة الاسلام، قبل أن يكون أكبر فاتح في صدر الإسلام، وانه أسس تلك الدولة على الايمان، لا على الصولجان، وكان من يوم اسلامه آخذا في تشييد هذا البناء، حتی ترکه وهو بين دول العالم أرسخ بناء.

وكانت حكومة عمر قائمة على أساس من العدل والحرية، ولو أردنا أن نقارن بين حكومات العصر وحكومته، لم نجد أساسا للمقارنة، وإذا قسنا