صفحة:عبقرية عمر (المكتبة العصرية).pdf/60

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

–٦٢–

إذا نظرت إلى تلك الصفات أجزاء متفرقات، فهي سهلةٌ بسيطةٌ، ليس فيها شيءٌ عويصٌ١، أو مكتنفٌ بغموض.

ولكنك تنظر إليها مركبة متناسقة، فيبدو لك منها جانب الدهشة والإعجاز، أو جانب الندرة التي يعز تكرارها في طبائع النفوس؛ لأنها تتركب لاستيفاء الغرض منها جميعًا، واستيفاء الغرض في كلٍّ منها على حدةٍ، وهذا هو النادرُ جد الندرة في تركيب الأخلاق.

ما العدل مثلًا بغير الرحمة التي تمزجه بالإحسان؟! وما العدل والرحمة معًا بغير الحماسة الروحية، والغيرة اليقظى التي تجعل كراهة المرء للظلم كأنها كراهة الضرر الذي يصيبه في نفسه وآله، وتجعل حبه للعدل كأنه حب هواه، وقبلة مناه؟! وما العدل والرحمة والغيرة جميعًا بغير فطنة تضع الأمور في مواضعها، وتعصم المرء أن ينخدع لمن لا يستحق، ويغفل عمن يستحق وهو حسن القصد غير متهم الضمير؟! وما العدل والرحمة والغيرة والفطنة بغير الإيمان الذي هو الرقيب الأعلى فوق كل رقيب، والوازع الأخير بعد كل وازع، والمرجع الذي لا مرجع بعده لطالب الإنصاف؟!

كلُّ صفةٍ تتمةٌ لجميع الصفات.

وكلُّ الصفات روافدُ لغرضٍ واحدٍ، يتم به نصر الحق وخذلان الباطل.

وكلُّ خليقة فهي جزء لا ينفصل من هذه «التركيبة» التي اتفقت أحسن اتفاق، وأنفع اتفاق، وكأنما اتفقت لتصبح كل خليقة منها على أتم قدرتها في بلوغ كمالها، وتحقيق غايتها.

فلا نقص في العدل كالنقص في كل عدل يعمى عن الطبيعة البشرية، ويذهل عن ضعف الإنسان.

ولا نقص في الغيرة كالنقص في كل غيرة ظالمة قاسية كأنها ضراوة وحش، وليست بحماسة روح.


  1. العويص من الشعر : ما يصعب استخراجه