صفحة:عبقرية عمر (المكتبة العصرية).pdf/69

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

يجم١ شعره، فظهر جبينه ووجنتاه فازداد حسنًا، ثم أمره أن يعتم٢، فزادته العمامة زينة وغواية، فقال: لا يسكن معنا رجل تهتفُ به العواتقُ٣ في خدورها٤. وزوده بمال وأرسله إلى البصرة ليعمل في تجارة تشغله عن النساء، وتشغل النساء عنه.

وفي القضية جور على نصر بن حجاج لا جدال فيه، ولكن في سبيل مصلحة أكبر وأبقى، أو في سبيل مصلحة يرعاها «الحكم العسكري» في أزمنة كزمان عمر، ويقضي فيها بما هو أعجب من إقصاء نصر بن حجاج، يرعاها أحيانًا بمنع الإقامة بمكان، ومنع المرور من طريق، وتحريم تجارة لا حرام فيها، ومراقبة إنسان يخشى أن يقود إلى جريمة، وتقييد السهر بعد موعد من الليل.

***

ولسنا نقول إنَّ هذا الحكم في قضية نصر بن حجاج، كان حكمًا لزامًا لا محيص عنه، ولا مأخذ عليه، ولكنا نقول إنه حكم فيه تلك الصبغة العمرية التي سميناها «مفتاح شخصيته»، وهي المقصودة بما نكتبه الآن.

وقد كان له في قضائه ذلك الحزم الذي يقطع اللجاجة٥ وينهض بالحجة على كل ذي خلاف كلما اشتجر الخلاف، كتب إليه أبو عبيدة من دمشق أنَّ عمرو بن معد يكرب، وأبا جندل وضرارًا وجماعة من علية القوم والوجوه، شربوا الخمر وسئلوا فأجابوا: «إننا خُيِّرنا فاخترنا. قال: فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ولم يعزم»، وكأن أبا عبيدة تحرج من عقاب هؤلاء العلية، فرفع أمرهم إلى الخليفة يستفتيه، فلم يلبثِ البريد أن بلغ المدينة حتى عاد إليه يأمره أن يدعوهم على رءوس الأشهاد، ويسألهم سؤالًا لا يزيد عليه ولا ينقص منه: أحلالٌ الخمر أم حرامٌ؟ فإن قالوا: حرام. فليجلدهم، وإن قالوا: حلال. فليضرب أعناقهم، فقالوا: بل حرام، فجُلِدوا وتابوا.

وربما تجمع للرجل كل ما في «طبيعة الجندي» من الخصائص، وبقيت محبوسة فيه لا يدري بها الناس إلا أن يأتي بعمل ينم عليها، فيدين


  1. أي يحلق شعره
  2. أي يلبس العمامة
  3. العاتق : التي لم يفض ختامها أحد
  4. الخدر : الستر
  5. المبالغة في الخصومة