صفحة:عبقرية عمر (المكتبة العصرية).pdf/70

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

نفسه بطبيعته تلك، ولا يدين غيره، ويكون مطبوعًا على أن يطيع، ولا يكون مطبوعًا على أن يطاع، وإذا جاءته طاعة المطيعين له، فإنما تجيئه من سلطان النظام، وحكم الشرع، وغلبة العادات؛ لأن الشجاعة مثلًا لا تلازم الهيبة في كل حال، فقد يكون الشجاع مهيبًا، ويكون غير مهيب أحيانًا ممن تقتحمهم الأنظار، ويجترئ عليهم المستخفون.

أما عمر بن الخطاب فقد كانت له «طبيعة الجندي» ظاهرة وباطنة، تبادر القلوب كما تبادر الأنظار، وتلازمه كأنها عضو من أعضائه، فما يجترئ عليه مجترئ إلا أن يطمعه هو، ويسهو عن نفسه لحظة ليغريه بالاجتراء.

وهي في موقف الأمر مخيف من لا يخاف، ويجفل منها من يحتمي بجاه أو كبرياء. شكا إليه رجل من بني مخزوم أبا سفيان لظلمه إياه في حدٍّ كان بينهما، فدعا بأبي سفيان والمخزومي وذهبوا إلى المكان الذي تنازعاه، ونظر عمر فعرف صدق الشكوى ونادى بأبي سفيان: خذ يا أبا سفيان هذا الحجر من هنا فضعه هنا، فأبى وتردد، فعلاه بالدرة وهو يقول: خُذْهُ فضعْهُ ها هنا، فإنك ما علمت قديم الظلم. فأخذ أبو سفيان الحجر، ووضعه حيث قال، ولو غير عمر أمره هذا الأمر لاستكبر أن يطيع، أو شنَّها عليه شعواء لا تؤمَن جريرتها.

كان١٥ يومًا في مجلس عمر وزياد بن سمية١٦ يتكلم، وهو يومئذ شاب، فأحسن — كعادته — في مجال الخطابة والمشورة، فأعجب به عمر، وهتف به: لله هذا الغلام! لو كان قرشيًّا لساق العرب بعصاه.

وكان علي بن أبي طالب إلى جانب أبي سفيان، فمال إليه هذا، وهمس في أذنه كلامًا، فحواه أنه يعرف من أبو ذلك الغلام من قريش. قال علي: فمن؟ قال: أنا. قال: فما يمنعك من استلحاقه؟ فهمس له: أخاف هذا الجالس أن يخرق عليَّ إهابي.١٧

وخليق بمثل هذا الرجل ألا يكون له شعار غير شعار الجند حيث كانوا: الأمر هو الأمر، والطاعة هي الطاعة.


(4) أي يدل . (۲) تحتقرهم (۳) إستخف به : اي احتقره ولم يقم له وزنا . (4) واقع الأمر وحقيقته ۰ (۰) الجانل : المنزعج (۹) رفض ۰ (۷) اي جنايتها أو عاقبتها