وهكذا اصبح المسلمون في الاعصر الأخيرة يعتقدون انه ما من صراع بين المسلم والأوروبي إلا سينتهي بمصرع المسلم ولو طال كفاحه . وقر ذلك في نفوسهم وتخمر في رؤوسهم لا سيما هذه الطبقة التي تزعم انها الطبقة المفكرة الماقلة المولعة بالحقائق الصادقة عن الخيالات بزعمها فانها صارت تقرر هذه القاعدة المشؤومة في كل ناد وتجعل التشاؤم المستمر والنعاب الدائم من دلائل العقل وسعة الادراك وتحسب اليأس من صلاح حال المسلمين من مقتضيات العلم والحكمة وما زالت تنفخ في بوق التثبيط وتبث في سواد الأمة دعاية المجز الى ان صار الاستخذاء ديدن الجميع الا من رحم بك وكانت روحه من اصل فطرتها قوية عزيزة . ولم تقتصر هذه الفئة على القول بأن حالة المسلمين الحاضرة هي متردية متدنية لا تقاس بحالة الافرنج في قليل ولا كثير بل زعمت ان التعب في مجاراة المسلمين للافرنج في علم او صناعة أو كسب او تجارة او زراعة أو حرب او سلم او اي منحى من مناحي العمران هو ضرب من المحال وشغل بالعبث لا يليق بالعاقل اتيانه ، وكأن المسلمين من طينة والافرنج من طينة اخرى فعلو الافرنج على المسلمين أمر لا بد منه وكأنه كتب في اللوح المحفوظ وجه به القلم ولم يبق امام المسلمين الا ان يعلموا كونهم طبقة منحطة عن طبقة الافرنجة ويعملوا بمقتضى هذه العقيدة وكثيراً ما وقعت لي مجادلات مع هؤلاء المفلسفين بالفارغ صغار النفوس ولم يكن يدخل في عقولهم المنطق ولا يعظهم التاريخ ولا ينفع في اقناعهم علم الطبيعة ولا التشريح ولا يحبـك بهم استنتاج ولا قياس وذلك لما غلب عليهم من آفة الذل ومرض الاستخذاء وقد احس الاوروبيون بما عند المسلمين من هذه الحالة الروحية الموافقة لمصالحهم الاستعمارية فصاروا يروجونها فيهم ويقوون عندهم هذه العقيدة فانطبق على هؤلاء الناعقين بالبين الآية الشريفة :
١٤٢