ومن اكبر عوامل تقهقر المسلمين فساد أخلاق أمرائهم بنوع خاص، وظن هؤلاء - إلا من رحم ربك - ان الأمة خلقت لهم ان يفعلوا بها ما يشاؤون، وقد رسخ فيهم هذا الفكر حق إذا حاول محاول ان يقيمهم على الجادة بطشوا به عبرة لغيره . وجاء العلماء المتزلفون لأولئك الامراء ، المتقلبون في نعمائهم ، الضاربون بالملاعق في حلوائهم ، وافتوا لهم يجواز قتل ذلك الناصح بحجة انه شق عصا الطاعة ، وخرج عن الجماعة ولقد عهد الاسلام الى العلماء بتقويم أود الامراء. وكان قديماً في الدول الاسلامية الفاضلة بمثابة المجالس النيابية في هذا العصر، يسيطرون على الأمة ، ويسددون خطوات الملك ، ويرفعون أصواتهم عند طغيان الدولة ، ويهيبون بالخليفة فمن بعده الى الصواب وهكذا كانت تستقيم الأمور ، لان اكثر أولئك العلماء كانوا متحققين بالزهد ، متحلين بالورع متخلين عن حظوظ الدنيا ، لا أغضب الملك الظالم الجبار أم رضي فكان الخلائف والملوك يرهبونهم ، ويخشون مخالفتهم لما يعلمون من انقياد العامة لهم ، واعتقاد الامة امامتهم، إلا انه بمرور الايام خلف من بعد هؤلاء خلف اتخذوا العلم مهنة للعيش ، وجعلوا الدين مصيدة المدنيا ، فسوغوا للفاسقين من الأمراء اشنع موبقاتهم ، واباحوا لهم باسم الدين خرق حدود الدين ، هذا والعامة المساكين مخدوعون بعظمة عمائم هؤلاء العلماء ، وعاء مناصبهم ، يظنون فتياهم صحيحة وآراءهم موافقة للشريعة ، والفساد بذلك يعظم ، ومصالح الأمة تذهب ، والاسلام يتقهقر ، والعدو يعلو ويتنمر ، وكل هذا امه في رقاب هؤلاء العلماء (1) (۱) وفينا هذه المسألة حقها في المنار وأهمه مقالة في المجلد التاسع ( ص ٣٥٧) عنوانها ( حال المسلمين في العالمين. ودعوة العلماء الى نصيحة الملوك والامراء والسلاطين ( انحينا فيها - باللائمة على علماء هذا العصر لتقصيرهم في نصيحة الملوك والامراء، ويليها آثار عن السلف في ذلك نشرت في عدة اجزاء من هذا المجلد ( ر ) .
٧٦