او يخفضون أو يجزمون اعتباطاً لغير قصد بياني اعتماداً على القرينة والترتيب، ولعل الغرض من الاعراب في هذا الدور كان تزيين الكلام وزخرفته، فقولك جاء الضارب بضم الباء آنق من قولك جاء الضارب باسكانها ولعلهم استعملوه في اول الامر في الشعر لما يتوخونه فيه من الزخرفة والتأنق، ولما ألفوه استعملوه في النثر ايضاً. ومن تدير الشعر في اللغة المحكية ليومنا هذا رأَى انهم قد يحركون من اواخر الكلم فيه مالا يجر كونه في كلامهم العادي، وتلك حالة في اللغة، اي الاعراب المشوش بدون ضابط، لابد ان يؤول امرها اما الى الالغاء بتاتاً واما الى الدخول في دور ثانٍ يستخدم فيهِ الاعراب لغرضٍ آخر لا لمجرد الزينة او الضرورة الشعرية. والواقع ان الالغاء ابتدأ في اللغة، ولكن في الوقف، ولولا القليل لسقط في كل المواطن، والواقع ان اللغة دخلت في دور ثان استخدم فيه الاعراب لبيان وظيفة الكلمة في الجملة، ولكن وقفت اللغة في اول هذا الدور قبل أن ينضج الاعراب ويتم احكامه في كل مواطنه كما سترى: ففي دوره الأول كان شيئاً خارجاً عن اللغة. فاذا الغي لم تتأثر لأن الاعتماد في بيان المعنى كان على القرينة والترتيب، ولذلك نرجح ان الغاءه في الوقف ابتدأ في هذا الدور، واما في دوره الثاني وهو الدور الذي تشوش فيه الترتيب لاغراض بيانية نص النحاة والبيانيون على مواطنها، فقد صار من مقومات اللغة وخصائصها، لأن هناك مواطن كثيرة في الكلام لا دليل على المعنى فيها غير الاعراب، فاذا الغي رجعت اللغة الى اللبس والغموض. فانت ترى ان الاعراب قد ساعد العزب على ان يستفيدوا من الترتيب المشوش في الدلالة على معان تعجز اللغات الأخرى عن ادائها، الا ان اللغة وقفت قبل أن يتم نضجه اي وصل الينا وفيه آثار
صفحة:مطالعات في اللغة والأدب ـ خليل السكاكيني.pdf/11
— ٨ —
