ما كان اغنى المتأخرين من عرب وافراج عن تقليد المتقدمين من سريان و كلدان ولاتين ويونان في التعلق بهذه القوانين على غير حاجه وما كان احراهم اذا ارادوا اقامة ملكاتهم ان يفتشوا عن أسلوب آخر . بل ما كان احرانا في هذا العصر اذا لم يكن بد من النسج على منوال المتقدمين ان نأخذ الاسلوب الاندلسي على الاقل لا الاسلوب المغربي . ثم بدلا من ان نجرده من اشعار العرب وامثالهم وشواهد كلامهم ، ونقتصر فيه على قوانين الاعراب كما فعل اهل المغرب ، فنحصل على علم اللسان صناعة ، نجري فيه على عكس ذلك اي نجرده من القوانين ونقتصر على الشواهد فنحصل على علم اللسان ملكة .. وهذا هو الاسلوب الذى اشار به ابن خلدون فيلسوف العرب واستاذهم الأكبر في مواطن كثيرة في مقدمته . واليك ما قاله في بعض تلك المواطن إن اللغات لما كانت ملكات كان تعلمها ممكناً شان سائر الملكات ووجه التعلم لمن يبتغي هذه المملكة ويروم تحصيلها ان يأخذ نفسه بحفظ كلامهم القديم الجاري على اساليبهم من القرآن والحديث وكلام السلف و مخاطبات فحول العرب في اسجاعهم واشعارهم وكلمات المولدين ايضاً في سائر فنونهم ، حتى يتنزل لكثرة حفظه لكلامهم من المنظوم والمنشور منزلة من نشأ بينهم ولقن العبارة عن المقاصد منهم، ثم يتصرف بعد ذلك في التعبير عما في ضميره على حسب عباراتهم وتأليف كلماتهم وما وعاه وحفظه من اساليبهم وترتيب الفاظهم فتحل إن المملكة بهذا اللفظ والاستعمال. ويزداد بكثرتهما رسوخا وقوة . ويحتاج مع ذلك الى سلامة الطبع والتفهم الحسن لمنازع العرب واساليبهم في التراكيب ومراعاة التطبيق بينهما وبين مقتضيات الاحوال ، والذوق يشهد بذلك
صفحة:مطالعات في اللغة والأدب ـ خليل السكاكيني.pdf/66
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
— ٦٣ —
