ونقول النهار جميل برفع الاثنين قياساً على قولهم العلم زين ، والصدق عز والكذب خضوع ، والخير عادة والشر لجاجة ، واذا اخطأ أحدهم ارشدناه او قلنا لرفاقه ارشدوا اخاكم فقد ضل» .. وعلى الجملة ان نعلمهم اللغة كما يتعلم الطفل لغة أمه فهو يسمعها، ثم يأنفها ، ثم يفهمها ، ثم يتكلمها بدون ان تعلمه أمه قوانين اللغة ، وبدون أن تفسر له الفاظها او تترجمها . قد يخل باالاسلوب في أول أمره ، كما قد يسي، التلفظ ببعض حروفه . ولكنه لا يلبث ان يهتدي الى الصواب بحكم التقليد وبضرورة ان يكون مفهوماً . بل كما يتعلم الطفل ابتسامات أمه وحركاتها واشاراتها وكما يتعلم ان يلبس وان يمشي وأن يغني الى غير ذلك مما يأخذه بالتقليد والتمرن . وهي نفس الطريقة التي بها يتعلم كل اجنبي لغة أمه، فهو يحسن ملكتها قبل ان يعرف شيئاً من احكامها ، وفي اللغات الأجنبية ما هو اصعب من اللغة العربية كثيراً مثل اللغة الروسية والالمانية فان فيهما من التصاريف وتعدد الحالات على الاسم ، والشذوذ مالايذكر بجانبه ما في اللغة العربية منه . واذا تعلم الاجنبي قوانين لغته فليس عن حاجة اليها ولا لاحسان ملكته. ولكنه انما يتعلمها تبعاً للعادة ، أو لما قد يكون في درس هذه القوانين من ترويض للعقل . ولذلك سمي النحو في اللغات الافرنجية منطق اللغة او اقليدس اللغة . وقد رأيت أن ابن خلدون قال في كلامه عن الاسلوب المغربي الذي مر ذكره ان صناعة العربية أصبحت من جملة قوانين المنطق العقلية او الجدل ، ولكن رياضة العقل في ما لاتدعو اليه حاجة اسراف في غير محله. وكم نجد في اللغات الاجنبية من كبار الكتاب والشعراء والخطباء من لم يتعلموا شيئاً من قوانين لغاتهم . وهي نفس الطريقة التى كان العرب يأخذون بها لغتهم قبل وضع علم النحو . فكم تبغ DJ
صفحة:مطالعات في اللغة والأدب ـ خليل السكاكيني.pdf/68
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
— ٦٥ —
