صفحة:مطالعات في اللغة والأدب ـ خليل السكاكيني.pdf/8

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
— ٥ —

فلا تأْكيد فيها ولو كررناها عشر مرات. نتبع اللفظة باخرى لبيانها مثل جاء اخوك زيد ولكن اذا لم تكن الثانية اعلى نغمة من الاولى فلا تفيد بياناً. نستعمل إِن للتأكيد ولكن اذا لم نجعل النبرة شديدة على النون فلا تفيد تأْكيداً، الى غير ذلك مما لا يتسع المجال للافاضة فيه. بل ان اللهجة قد تقلب المعنى الى ضده، يقال انه حكم مرة على رجل ان يقف امام الناس ويقول «ايها الناس انا لص» فلما وقف قال «ايها الناس انا لص?» بلهجة استفهام فانقلب المعنى من اقرار الى انكار. ومن القرائن الاشارات وحركات الوجه، يقال ان بعض زنوج افريقيا اذا غابت الشمس سكنت جلبتهم لأنهم لا يستطيعون ان يتفاهموا بالكلام وحده، وبسبب ظلمة الليل لا يستطيعون ان يستعينوا بالاشارات وحركات الوجه، بل انك اليوم لا تجد احد يتكلم بدون ان يستعين بالاشارات وحركات الوجه على تقوية معناه او ايضاحه او استدعاء الانتباه اليه ، مما يدل على ان اللغات على ارتقائها واتساعها لاتزال ناقصة، وانها دون التصوير والموسيقى. فان المصور قد يصور بريشته ما تعجز ارقى اللغات عن الغناء فيه، والموسيقي قد يترجم بنغماته عما لا يؤديه كلام. هذا على ارتقاء اللغات في هذا العصر فكيف يوم كانت في اول عهدها، من هذا تعلم ان الفاظ اللغة ليست هي اللغة كلها بل هي جزء منها تتممه الاشارات وحركات الوجه وطبقة الصوت وقرائن أُخرى. وهذا سر أَن التشبيه ابلغ من الحقيقة. اذا اردت ان تصور شخصاً غريباً لغيرك فمهما دققت في وصف تقاطيعه واعضائه و بيان لونِه وطوله وعرضهِ فانك لا تستطيع ان تعطي الصورة الحقيقية عنهُ ولكن يكفي ان تذكر شخصاً يعرفهُ ثم تقول انهُ يشبهه شبهاً تاماً فانه يستطيع حينئذٍ ان يتصور ذلك الشخص في ذهنهِ، فلو كانت اللغة كافية لما كانت هناك