حاجة الى التشبيه. ومن تدبر اللغة العربية وجد فيها شيئاً كثيراً من لغة الاشارات وحركات الوجه ولونه مثل قولهم في الخوف امتقع لون فلان واقشعر جلده واصطکت رکبتاه وارتعدت فرائصه وأرعشت مفاصله ومثل قولهم في الغضب قطب وجهه وزوى ما بين عينيهِ وانتفخت اوداجهُ وتزبد فوه واحمرت عيناه الى غير ذلك مما يصور المعنى تصويراً. ولا شك ان هذا من آثار ذلك العهد الذي كانت فيه حركات الوجه والاشارات قرائن على المعنى وهو ايضاً سر أن الخطابة والانشاد والتمثيل والغناء أوقع في النفس من القراءَة الفكرية.
مر على اللغة زمان طويل والترتيب فيها مشوش لغير سبب اعتماداً على القرائن التي تقدم ذكرها. ولا يزال في اللغة آثار هذا التشويش اذ لا نزال نقدم تارةً الموصوف على الصفة فنقول ليس في المسألة امر كبير، وتارةً الصفة على الموصوف فنقول ليس في المسألة كبير امر. ثم دخلت اللغة في دور ثانٍ لزم الترتيب فيه صورة معلومة كذكر الفاعل قبل المفعول وذكر المسند اليه قبل المسند لاعتبارات خصوصية عندهم ليس هذا محل بسطها. ولانزال نراعي هذا الترتيب اذا لم تكن هناك قرينة معنوية او قرينة اعرابية. وبعد ان تولد الاعراب في اللغة دخلنا في دور ثالث تحررنا فيه من قيود الترتيب وعدنا الى التشويش. والفرق بين هذا الدور والدور الأول ان التشويش كان في الدور الأول اعتباطياً فصار في الدور الثالث لأغراض بيانية مقصودة، وهذا أرقى ما وصلت اليه اللغات في البيان حتى الآن. وقد ساعدنا على ذلك امران: القرينة والاعراب، ولولا الاعراب للزم الترتيب صورة معلومة لايتعداها على ما نراه في اللغات