صفحة:معاوية بن أبي سفيان.pdf/11

تم التّحقّق من هذه الصفحة.
معاوية بن أبي سفيان

نعم، يكفي أن ينسب إلى العظيم المثالي عمل من الأعمال التي لا يقدر عليها النهاز ولا يسعى إليها؛ لتنفرج الهوة بينهما فلا يستريح النهاز إلى العظيم المثالي كما يستريح إلى النفعيين الناجحين.

وليس أبغض إلى الإنسان من احتقاره لنفسه.

وليس أحب إليه من اعتذاره لها عن حقارتها.

وإنك لو بحثت جهدك عن عصبية عمياء تغطي على بصر الإنسان وتملك عليه هواه، لم تجد لها علة أقوى من هذه العلة التي ينقاد لها ولا يبتغي الشفاء منها.

إنه يتعصب في كل شعور يدفع به النقص، ويمهد به العذر، وينفي عنه الإضرار إلى الإقرار بسبق السابقين له، وارتفاع المرتفعين عليه.

وإنه ليعترف بالجهل إذا استطاع أن يدعي لنفسه تعلة يسمو بها على أهل المعرفة …

وإنه ليعترف بالعجز إذا استطاع أن ينزل بالقادرين إلى «مستواه» بخديعة من خدائع النفوس.

وإنه ليعترف بالرذيلة إذا استطاع أن يلوث الفضيلة التي يمتاز بها عليه ذوو الفضائل البينة.

وإنه ليتشبث بهذه التعلات كما يتشبث الغريق بأوهام النجاة؛ لأنه بغير هذه التعلات غريق في شعور ثقيل على جميع النفوس، وهو الشعور بالهوان …

لهذا يتعصب النهازون المطبوعون على أصحاب المثل العليا؛ لأنهم بين اثنتين: إما أن يدينوا أنفسهم بالمثل العليا، ويعملوا في السر والعلانية عمل أصحابها، وذلك مطلب عسير يصطدمون بعقباته كل يوم وكل ساعة …

وإما أن ينكروا تلك المثل العليا على أصحابها، ويتعصبوا لمن ينجح بأساليبهم أو يتمنوا النجاح بأساليبه، وذلك مطلب لا يكلفهم تغيير الطباع، وإن لم يبلغوه بفعالهم كما بلغه ذوو القدرة أمامهم من الناجحين الفعالين …

وقد عرفنا من هؤلاء أناسًا في التاريخ ما عرفناهم في الحياة الحاضرة.

عرفناهم فعرفنا عجبَا من العصبية العمياء التي تكيل بالكيلين، وتزن بالميزانين في الحادث الواحد والحقبة الواحدة.

إذا وقفوا بين خصمين أحدهما من النفعيين، ولآخر من المثاليين ـ رأيت العجب في المقياس الذي يلتمسون به المعاذير لهذا، وينكرونها على الآخر في اللحظة الواحدة ...

١٠